9. وسطية الإسلام وحرمة الميت وتكريمه:
لقد من الله تبارك وتعالى على بني آدم وأكرمه إكرامًا كبيرًا وفضله على كثير من مخلوقاته وسخرها له نعمة وفضلًا.
قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }[الإسراء: 70].
وشمل هذا التكريم بني آدم أحياء وأمواتًا كما قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا }المرسلات: 25 - 26].
وكما قال تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }[طه: 55].
وقص علينا القرآن العظيم تطوع نفس قابيل بن آدم على قتل أخيه فقتله وارتبك بعد قتله لأخيه، ولم يعرف ماذا يفعل به؟
فأكرمه الله عز وجل لرؤية مواراة الغراب لدفن أخيه، وهو مظهر من مظاهر التكريم يأخذ الإنسان فيها العبرة والعظة.
قال تعالى: { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }[المائدة: 31].
وهي تكريم للإنسان جعل الإسلام دفن الميت فريضة على الكفاية، لأن في تركه دون دفن هتكًا لحرمة الميت وتفريطًا بكرامة الإنسان وحقوقه.
وكره التشهير بالميت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سباب الموتى فقال صلى الله عليه وسلم: (( ساب الموتى كالمشرف على الهلكة )) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء )) أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن المغيرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم )) أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عمر.
إنها صور من تكريم الإنسان حيًّا وميتًا.
10. من وسطية الإسلام الرحمة بكل إنسان:
وسعت رحمة الله كلّ شيء، وكلّ إنسان .
رحمة الإنسان المؤمن بالله وبرسوله وبالإسلام ديناً ومنهجاً وخلقاً وسلوكاً، لا يحدّها حدّ فهي رحمة بالأقربين وبالأبعدين، وإن كان الأقربون أولى بالمعروف .
إنّ الآخر سواء كان كتابياً ـ أي على إحدى الديانات المعروفة ـ أو غير كتابي ، فإنّه يتطلّع إلى رحمتك به وإحسانك إليه لما يعرفه الكثيرون من أنّ الإسلام دين الرحمة والسلام والتعايش والتعاون.
فأنت تتعاطف وتتراحم مع الناس من منطلق كونهم إمّا إخوة لك في الدين أو نظراء لك في الخلق.
إنّ رحمتك بالضعيف هي شكر على ما أنعم الله عليك من قوّة .
ورحمتك بالفقير شكر على ما أنعم الله عليك من ثروة .
ورحمتك بالجاهل شكر على ما أفاض عليك من علم .
ورحمتك بالمخطئ شكر على ما هداك إليه من استقامة .
وسلامك على مَنْ تعرفه رحمة به، كما أن تحيتك لمن لا تعرفه رحمة به.
وهذا هو مغزى دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) �افشوا السلام بينكم�رواه مسلم.
أي أشيعوا أجواء الرحمة بينكم لتتسع الأرض وتفيض ببركاتها ويعمّ النعيم والرخاء والمحبّة والإخاء.
فبروافد المحبّة النابعة من قلبي ، وروافد المحبّة النابعة من قلبك ومن قلوب الآخرين يغدو النهرُ كبيراً .. طافحاً بالخير ، ويكون للأرض وجهٌ غير الوجه الكالح الذي تراها عليه اليوم .
إنّ ما يعوز الأمّة والعالم، هو الرحمة أوّلاً وقبل كلّ شيء.
11. من الوسطية في الإسلام التعايش مع الأديان الأخرى:
طالبنا الإسلام وفق أخلاقياته وسموّ نظرياته إلى معايشة الأديان الأخرى والتساكن معها مهما اختلفت.
يؤكد ذلك قوله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } (سورة يونس ، الآية رقم : 99).
هذا وإن من السمات البارزة والمزايا الحميدة للإسلام أنه دين يعترف بالأديان السماوية الأخرى.
أن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم قد آمن بما أنزل على موسى وعيسى مما لم يحرفه اليهود ولا النصارى .
كما قال تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } سورة البقرة ، الآية رقم : 285.
كما أكد القرآن الكريم أن الذي أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام هدى ونور للناس .
قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } سورة المائدة ، الآية رقم : 44 .
فأي تعايش وتساكن واعتراف أفضل مما جاءت به الشريعة الإسلامية.
12. توافق (الولاء و البراء) مع سماحة الإسلام:
أنها إحدى أُسُس الدين الإسلامي العظام . وهذا يعني أنّها لا بُدّ أن تصطبغ بصبغة الإسلام الكبرى ، وهي الوسطيّةُ والسماحة والرحمة.
قال الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء 107].
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[البقرة 143].
وقال تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }[الحج 078].
المعادلة السهلة، والنتيجة القطعيّة: أن (الولاء و البراء) ما دام أنه من الإسلام، فهو وَسطٌ وسَمْحٌ ورحمة.
عدم تعارض معتقد (الولاء و البراء) مع مبادئ الوسطيّة والسماحة والرحمة ، وذلك يظهر من خلال النقاط الآتية التي لا تزيد على أن تكون أمثلة لعدم تعارض (الولاء و البراء) مع سماحة الإسلام :
أوّلاً : لا يُجبر أحدٌ من الكفار الأصليِّين على الدخول في الإسلام، قال الله تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }[البقرة 256].
ثانياً: أنّ لأهل الذمّة التنقّل في أي البلاد حيث شاؤوا، بلا استثناء إلا الحرم، ولهم سكنى أي بلد شاؤوا من بلاد الإسلام أو غيرها.
ثالثاً: حفظ العهد الذي بيننا وبين الكفار، إذا وَفَّوْا هُمْ بعهدهم وذمّتهم، قال الله تعالى: { إِلَّاالَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }[التوبة 004] .
رابعاً: حرمة دماء أهل الذمّة والمعاهدين، إذا وَفَّوْا بذمتهم وعهدهم.
قال صلى الله عليه وسلم: � من قَتَل معاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً � أخرجه البخاري (رقم 3166).
وقال صلى الله عليه وسلم: � أيُّما رجلٍ أمِنَ رجلاً على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتولُ كافراً�البخاري في التاريخ الكبير (3 / 322 - 323).
خامساً: الوصيّة بأهل الذمّة، وصيانة أعراضهم وأموالهم، وحفظ كرامتهم.
قال صلى الله عليه وسلم: � إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإنّ لهم ذِمّةً ورحماً �أخرجه مسلم (رقم 2543).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( أُوصي الخليفة من بعدي بذمّة الله وذمّة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يُوَفَّى لهم بعهدهم، وأن يُقاتَل مِنْ ورائهم، وأن لا يكلَّفُوا فوق طاقتهم)).سادساً: أن اختلاف الدين لا يُلْغي حقَّ ذوي القربى.
قال الله تعالى: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }[لقمان 015].
سابعاً: أن البرّ والإحسان والعَدْلَ حقٌّ لكل مْنْ لم يقاتل المسلمين أو يُظاهر على قتالهم، بل حتى المقاتل يجوز بِرُّهُ والإحسان إليه إذا لم يقوِّه ذلك على قتال المسلمين وأذاهم.
قال الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }،{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الممتحنة 008-009]، وأمّا العَدْل فهو فرضٌ واجب لكل أحد، حتى من نُبغضه بحقّ، ممن عادانا وقاتلنا من الكفار، يقول الله تعالى في ذلك: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[المائدة 008].
قال تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[البقرة 190]، ولذلك لا يجوز لنا أن نخون من خاننا؛ لأن الخيانة والغدر ليسا من العدل، قال صلى الله عليه وسلم: � أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خانك � أخرجه أبو داود (رقم 3529)، ولذلك فقد حذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم من دُعاء المظلوم ولو كان كافراً، فقال صلى الله عليه وسلم: � اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب � أخرجه الإمام أحمد (رقم 12549)، وبذلك يؤكد الإسلام على فرض العدل مع غير المسلمين، بأقوى تأكيد،والعَدْلُ رأس كُلّ فضيلة.
فبهذه الأخلاق والآداب يُعامل المسلمون غيرَ المسلمين، وهذه الأخلاقُ والآداب من دين الإسلام ، يأمرهم بها كتابُ ربهم وسُنَّةُ نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وما دامت من دين الله تعالى، فلا يمكن أن تتعارض مع حكم آخر من دين الله تعالى أيضاً، وهو (الولاء و البراء).
13. من وسطية الإسلام عظم جرم قتل النفس بغير حق:
جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الاعتداء على النفس وعدّ ذلك من كبائر الذنوب؛ إذ ليس بعد الإشراك بالله ذنب أعظم من قتل النفس المعصومة.
وقد توعّد الله سبحانه قاتلَ النفس بالعقاب العظيم في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الأنعام:151].
قال البغوي: "حرّم الله تعالى قتلَ المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما يبيح قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم".
وقال القرطبي: "وهذه الآية نهيٌ عن قتل النفس المحرّمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها".
قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف في الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[الإسراء:33].
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}[الفرقان:68، 69].
قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ في الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ }[المائدة 32].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس))رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما))رواه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء))أخرجه البخاري.
14. المرأة ووسطية الدين فيما يتعلق بها:
المرأة في الإسلام مخلوق كريم نالت أعظم منزلة لها.
فقد كرمها الإسلام تكريما كبيرا في جميع مراحل عمرها.
فأكرمها طفلة صغيرة، بل أمر الرجل بأن يحسن اختيار الزوجة لتنشأ البنت وتتربى في أحضانها أزكى تربية، وطالبه بحسن تسميتها، ورحمتها وإكرامها، وأوجب تربيتها التربية الحسنة وأكد على أهمية ذلك.
ثم جعل لها حقها أختا فاضلة يتشرف الرجل برعايتها.
وأكرمها عندما تكون زوجة فجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها، قال - تعالى -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}(البقرة228).
أما عندما تصبح أما فإنها تنال أعظم المكانة بأن قرن حقها في الإحسان بحق الله - تعالى -في توحيده، قال - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}(الإسراء23).
إنه دين عظيم أعطى المرأة حقوقها، وطالبها بأداء الحق الذي عليها، من عبادة لله وحده، وأداء لحق الأسرة بدءً بالزوج وانتهاءً بأبنائها.
لقد ميز الله - تعالى -هذا الدين بأنه وسط بين الأديان، فاستحق المؤمنون به صفة الوسطية، حتى فيما يتعلق بالمرأة، فقد خلقها الله - تعالى -لأداء وظيفة محددة في الحياة، وأعطاها من الصفات والخصائص ما يمكنها من الحياة بنجاح.
وهبها الله بطنا ينشأ الإنسان جنينا فيه.
وهبها حضنا دافئا يلتصق الإنسان رضيعا به فيرضع حليبها الذي يمده بالقوة التي تجعل منه يحيا حياة تراحم وتعاون وتكامل معها، لا حياة صراع وتحد لها!!
وهبها الله عاطفة جياشة تغمر أبناءها رحمة، وزوجها مودة، ووالديها عرفانا، وسائر المؤمنين تقديرا، فيسعد الرجل - الذي خلقه الله - تعالى -أيضا لأداء وظيفة محددة، وأعطاه من الصفات ما يمكنه من أداء ذلك الدور ـ بهذه العلاقة المقدسة.
تصبح الحياة محطة للتزود بالصالحات في رحلة نهايتها إما إلى جنة وإما إلى نار.
إنه المنهج الوسط في تكامل الجنسين لتسير عجلة الحياة بتوازن بديع، ولتعمر الأرض بالإنسان المعتدل في حياته ليعبد الله وحده لا شريك له.
المرأة المسلمة من أعظم أسباب انتشار عدل الإسلام إلى كل بقاع الدنيا.أن الرجل والمرأة من نفس واحدة ، ولهما خصائص مشتركة ، وصفات متوافقة ، وبهذا الاعتبار فالمرأة مثل الرجل فيما يأتي :
المساواة في الحقوق ، حيث إن كلاً من الرجل والمرأة يتمتع بحقوق متساوية مع الآخر في شتى مجالات الحياة .
المساواة في جميع ما يخص أمور الآخرة من الأجر والثواب والجنة والنار ، وفي العقيدة والشعائر إلاّ ما خففت على المرأة بسبب ظروف الحيض والنفاس ، والحمل والرضاعة ونحوها.
المساواة في الاستخلاف في الأرض، ولم تستثن المرأة من هذه الوظيفة العظيمة التي كلف بها الإنسان، بل لا يمكن تعمير الأرض إلى بشقي الإنسان وهما الذكر والأنثى.
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات /الآية 13)
المساواة في الولاية والموالاة، فقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)( سورة التوبة / الآية 71)، ومن المعلوم أن هذه الولاية تشمل كل جوانب الحياة ، وعلى رأسها الولاية السياسية من حيث المبدأ.المساواة أمام القانون والقضاء .
المساواة في حرية الاعتقاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة النحل/ الآية 97
المساواة في الحقوق الاجتماعية والمدنية.
المساواة في أهلية الأداء الكاملة، حيث لها ذمة مالية مستقلة التملك والتصرف وإجراء العقود المالية ونحوها.
المساواة في الحقوق المالية ، حيث إذا نظرت إلى الواجبات المفروضة على الرجل فإن الفروق الموجودة في الإرث معوضة تماماً من خلال النفقة ، والتزامات الرجل.إضافة إلى أن هناك حالات يتساوى فيها الرجل والمرأة ، وفي بعضها تكون حصة المرأة أكثر منه.
المساواة في ابدءا الرأي ووجوب الاستماع إلى رأيها، ويدل على ذلك ما دار بين الخنساء بنت خزام الأنصارية وبين النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكرت: ( أن أباها زوجها من ابن أخيه دون إذن منها، فجعل صلى الله عليه وسلم ( الأمر إليها) وحينما علمت بهذا الحق قالت: قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء؟ وفي رواية ابن ماجه صححها الحافظ الهيثمي قالت: ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ) (سسن ابن ماجه).
المصدر: حملة السكينة
لقد من الله تبارك وتعالى على بني آدم وأكرمه إكرامًا كبيرًا وفضله على كثير من مخلوقاته وسخرها له نعمة وفضلًا.
قال تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }[الإسراء: 70].
وشمل هذا التكريم بني آدم أحياء وأمواتًا كما قال تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا }المرسلات: 25 - 26].
وكما قال تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }[طه: 55].
وقص علينا القرآن العظيم تطوع نفس قابيل بن آدم على قتل أخيه فقتله وارتبك بعد قتله لأخيه، ولم يعرف ماذا يفعل به؟
فأكرمه الله عز وجل لرؤية مواراة الغراب لدفن أخيه، وهو مظهر من مظاهر التكريم يأخذ الإنسان فيها العبرة والعظة.
قال تعالى: { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ }[المائدة: 31].
وهي تكريم للإنسان جعل الإسلام دفن الميت فريضة على الكفاية، لأن في تركه دون دفن هتكًا لحرمة الميت وتفريطًا بكرامة الإنسان وحقوقه.
وكره التشهير بالميت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سباب الموتى فقال صلى الله عليه وسلم: (( ساب الموتى كالمشرف على الهلكة )) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء )) أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن المغيرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (( اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم )) أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عمر.
إنها صور من تكريم الإنسان حيًّا وميتًا.
10. من وسطية الإسلام الرحمة بكل إنسان:
وسعت رحمة الله كلّ شيء، وكلّ إنسان .
رحمة الإنسان المؤمن بالله وبرسوله وبالإسلام ديناً ومنهجاً وخلقاً وسلوكاً، لا يحدّها حدّ فهي رحمة بالأقربين وبالأبعدين، وإن كان الأقربون أولى بالمعروف .
إنّ الآخر سواء كان كتابياً ـ أي على إحدى الديانات المعروفة ـ أو غير كتابي ، فإنّه يتطلّع إلى رحمتك به وإحسانك إليه لما يعرفه الكثيرون من أنّ الإسلام دين الرحمة والسلام والتعايش والتعاون.
فأنت تتعاطف وتتراحم مع الناس من منطلق كونهم إمّا إخوة لك في الدين أو نظراء لك في الخلق.
إنّ رحمتك بالضعيف هي شكر على ما أنعم الله عليك من قوّة .
ورحمتك بالفقير شكر على ما أنعم الله عليك من ثروة .
ورحمتك بالجاهل شكر على ما أفاض عليك من علم .
ورحمتك بالمخطئ شكر على ما هداك إليه من استقامة .
وسلامك على مَنْ تعرفه رحمة به، كما أن تحيتك لمن لا تعرفه رحمة به.
وهذا هو مغزى دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) �افشوا السلام بينكم�رواه مسلم.
أي أشيعوا أجواء الرحمة بينكم لتتسع الأرض وتفيض ببركاتها ويعمّ النعيم والرخاء والمحبّة والإخاء.
فبروافد المحبّة النابعة من قلبي ، وروافد المحبّة النابعة من قلبك ومن قلوب الآخرين يغدو النهرُ كبيراً .. طافحاً بالخير ، ويكون للأرض وجهٌ غير الوجه الكالح الذي تراها عليه اليوم .
إنّ ما يعوز الأمّة والعالم، هو الرحمة أوّلاً وقبل كلّ شيء.
11. من الوسطية في الإسلام التعايش مع الأديان الأخرى:
طالبنا الإسلام وفق أخلاقياته وسموّ نظرياته إلى معايشة الأديان الأخرى والتساكن معها مهما اختلفت.
يؤكد ذلك قوله تعالى: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } (سورة يونس ، الآية رقم : 99).
هذا وإن من السمات البارزة والمزايا الحميدة للإسلام أنه دين يعترف بالأديان السماوية الأخرى.
أن نبي الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم قد آمن بما أنزل على موسى وعيسى مما لم يحرفه اليهود ولا النصارى .
كما قال تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } سورة البقرة ، الآية رقم : 285.
كما أكد القرآن الكريم أن الذي أنزل على موسى وعيسى عليهما السلام هدى ونور للناس .
قال تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } سورة المائدة ، الآية رقم : 44 .
فأي تعايش وتساكن واعتراف أفضل مما جاءت به الشريعة الإسلامية.
12. توافق (الولاء و البراء) مع سماحة الإسلام:
أنها إحدى أُسُس الدين الإسلامي العظام . وهذا يعني أنّها لا بُدّ أن تصطبغ بصبغة الإسلام الكبرى ، وهي الوسطيّةُ والسماحة والرحمة.
قال الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء 107].
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }[البقرة 143].
وقال تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }[الحج 078].
المعادلة السهلة، والنتيجة القطعيّة: أن (الولاء و البراء) ما دام أنه من الإسلام، فهو وَسطٌ وسَمْحٌ ورحمة.
عدم تعارض معتقد (الولاء و البراء) مع مبادئ الوسطيّة والسماحة والرحمة ، وذلك يظهر من خلال النقاط الآتية التي لا تزيد على أن تكون أمثلة لعدم تعارض (الولاء و البراء) مع سماحة الإسلام :
أوّلاً : لا يُجبر أحدٌ من الكفار الأصليِّين على الدخول في الإسلام، قال الله تعالى: { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }[البقرة 256].
ثانياً: أنّ لأهل الذمّة التنقّل في أي البلاد حيث شاؤوا، بلا استثناء إلا الحرم، ولهم سكنى أي بلد شاؤوا من بلاد الإسلام أو غيرها.
ثالثاً: حفظ العهد الذي بيننا وبين الكفار، إذا وَفَّوْا هُمْ بعهدهم وذمّتهم، قال الله تعالى: { إِلَّاالَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }[التوبة 004] .
رابعاً: حرمة دماء أهل الذمّة والمعاهدين، إذا وَفَّوْا بذمتهم وعهدهم.
قال صلى الله عليه وسلم: � من قَتَل معاهَدًا لم يرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً � أخرجه البخاري (رقم 3166).
وقال صلى الله عليه وسلم: � أيُّما رجلٍ أمِنَ رجلاً على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتولُ كافراً�البخاري في التاريخ الكبير (3 / 322 - 323).
خامساً: الوصيّة بأهل الذمّة، وصيانة أعراضهم وأموالهم، وحفظ كرامتهم.
قال صلى الله عليه وسلم: � إنكم ستفتحون أرضاً يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيراً، فإنّ لهم ذِمّةً ورحماً �أخرجه مسلم (رقم 2543).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (( أُوصي الخليفة من بعدي بذمّة الله وذمّة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يُوَفَّى لهم بعهدهم، وأن يُقاتَل مِنْ ورائهم، وأن لا يكلَّفُوا فوق طاقتهم)).سادساً: أن اختلاف الدين لا يُلْغي حقَّ ذوي القربى.
قال الله تعالى: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }[لقمان 015].
سابعاً: أن البرّ والإحسان والعَدْلَ حقٌّ لكل مْنْ لم يقاتل المسلمين أو يُظاهر على قتالهم، بل حتى المقاتل يجوز بِرُّهُ والإحسان إليه إذا لم يقوِّه ذلك على قتال المسلمين وأذاهم.
قال الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }،{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الممتحنة 008-009]، وأمّا العَدْل فهو فرضٌ واجب لكل أحد، حتى من نُبغضه بحقّ، ممن عادانا وقاتلنا من الكفار، يقول الله تعالى في ذلك: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }[المائدة 008].
قال تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[البقرة 190]، ولذلك لا يجوز لنا أن نخون من خاننا؛ لأن الخيانة والغدر ليسا من العدل، قال صلى الله عليه وسلم: � أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خانك � أخرجه أبو داود (رقم 3529)، ولذلك فقد حذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم من دُعاء المظلوم ولو كان كافراً، فقال صلى الله عليه وسلم: � اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب � أخرجه الإمام أحمد (رقم 12549)، وبذلك يؤكد الإسلام على فرض العدل مع غير المسلمين، بأقوى تأكيد،والعَدْلُ رأس كُلّ فضيلة.
فبهذه الأخلاق والآداب يُعامل المسلمون غيرَ المسلمين، وهذه الأخلاقُ والآداب من دين الإسلام ، يأمرهم بها كتابُ ربهم وسُنَّةُ نبيّهم صلى الله عليه وسلم، وما دامت من دين الله تعالى، فلا يمكن أن تتعارض مع حكم آخر من دين الله تعالى أيضاً، وهو (الولاء و البراء).
13. من وسطية الإسلام عظم جرم قتل النفس بغير حق:
جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الاعتداء على النفس وعدّ ذلك من كبائر الذنوب؛ إذ ليس بعد الإشراك بالله ذنب أعظم من قتل النفس المعصومة.
وقد توعّد الله سبحانه قاتلَ النفس بالعقاب العظيم في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَادَكُمْ مّنْ إمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الأنعام:151].
قال البغوي: "حرّم الله تعالى قتلَ المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلا بما يبيح قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم".
وقال القرطبي: "وهذه الآية نهيٌ عن قتل النفس المحرّمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها".
قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف في الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[الإسراء:33].
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلها ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}[الفرقان:68، 69].
قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْراءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ في الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ }[المائدة 32].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس))رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما))رواه البخاري.
وعن عبد الله بن مسعود: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء))أخرجه البخاري.
14. المرأة ووسطية الدين فيما يتعلق بها:
المرأة في الإسلام مخلوق كريم نالت أعظم منزلة لها.
فقد كرمها الإسلام تكريما كبيرا في جميع مراحل عمرها.
فأكرمها طفلة صغيرة، بل أمر الرجل بأن يحسن اختيار الزوجة لتنشأ البنت وتتربى في أحضانها أزكى تربية، وطالبه بحسن تسميتها، ورحمتها وإكرامها، وأوجب تربيتها التربية الحسنة وأكد على أهمية ذلك.
ثم جعل لها حقها أختا فاضلة يتشرف الرجل برعايتها.
وأكرمها عندما تكون زوجة فجعل لها من الحقوق مثل الذي عليها، قال - تعالى -: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}(البقرة228).
أما عندما تصبح أما فإنها تنال أعظم المكانة بأن قرن حقها في الإحسان بحق الله - تعالى -في توحيده، قال - تعالى -: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}(الإسراء23).
إنه دين عظيم أعطى المرأة حقوقها، وطالبها بأداء الحق الذي عليها، من عبادة لله وحده، وأداء لحق الأسرة بدءً بالزوج وانتهاءً بأبنائها.
لقد ميز الله - تعالى -هذا الدين بأنه وسط بين الأديان، فاستحق المؤمنون به صفة الوسطية، حتى فيما يتعلق بالمرأة، فقد خلقها الله - تعالى -لأداء وظيفة محددة في الحياة، وأعطاها من الصفات والخصائص ما يمكنها من الحياة بنجاح.
وهبها الله بطنا ينشأ الإنسان جنينا فيه.
وهبها حضنا دافئا يلتصق الإنسان رضيعا به فيرضع حليبها الذي يمده بالقوة التي تجعل منه يحيا حياة تراحم وتعاون وتكامل معها، لا حياة صراع وتحد لها!!
وهبها الله عاطفة جياشة تغمر أبناءها رحمة، وزوجها مودة، ووالديها عرفانا، وسائر المؤمنين تقديرا، فيسعد الرجل - الذي خلقه الله - تعالى -أيضا لأداء وظيفة محددة، وأعطاه من الصفات ما يمكنه من أداء ذلك الدور ـ بهذه العلاقة المقدسة.
تصبح الحياة محطة للتزود بالصالحات في رحلة نهايتها إما إلى جنة وإما إلى نار.
إنه المنهج الوسط في تكامل الجنسين لتسير عجلة الحياة بتوازن بديع، ولتعمر الأرض بالإنسان المعتدل في حياته ليعبد الله وحده لا شريك له.
المرأة المسلمة من أعظم أسباب انتشار عدل الإسلام إلى كل بقاع الدنيا.أن الرجل والمرأة من نفس واحدة ، ولهما خصائص مشتركة ، وصفات متوافقة ، وبهذا الاعتبار فالمرأة مثل الرجل فيما يأتي :
المساواة في الحقوق ، حيث إن كلاً من الرجل والمرأة يتمتع بحقوق متساوية مع الآخر في شتى مجالات الحياة .
المساواة في جميع ما يخص أمور الآخرة من الأجر والثواب والجنة والنار ، وفي العقيدة والشعائر إلاّ ما خففت على المرأة بسبب ظروف الحيض والنفاس ، والحمل والرضاعة ونحوها.
المساواة في الاستخلاف في الأرض، ولم تستثن المرأة من هذه الوظيفة العظيمة التي كلف بها الإنسان، بل لا يمكن تعمير الأرض إلى بشقي الإنسان وهما الذكر والأنثى.
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سورة الحجرات /الآية 13)
المساواة في الولاية والموالاة، فقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)( سورة التوبة / الآية 71)، ومن المعلوم أن هذه الولاية تشمل كل جوانب الحياة ، وعلى رأسها الولاية السياسية من حيث المبدأ.المساواة أمام القانون والقضاء .
المساواة في حرية الاعتقاد والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة النحل/ الآية 97
المساواة في الحقوق الاجتماعية والمدنية.
المساواة في أهلية الأداء الكاملة، حيث لها ذمة مالية مستقلة التملك والتصرف وإجراء العقود المالية ونحوها.
المساواة في الحقوق المالية ، حيث إذا نظرت إلى الواجبات المفروضة على الرجل فإن الفروق الموجودة في الإرث معوضة تماماً من خلال النفقة ، والتزامات الرجل.إضافة إلى أن هناك حالات يتساوى فيها الرجل والمرأة ، وفي بعضها تكون حصة المرأة أكثر منه.
المساواة في ابدءا الرأي ووجوب الاستماع إلى رأيها، ويدل على ذلك ما دار بين الخنساء بنت خزام الأنصارية وبين النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكرت: ( أن أباها زوجها من ابن أخيه دون إذن منها، فجعل صلى الله عليه وسلم ( الأمر إليها) وحينما علمت بهذا الحق قالت: قد أجزت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن أعلم أللنساء من الأمر شيء؟ وفي رواية ابن ماجه صححها الحافظ الهيثمي قالت: ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء ) (سسن ابن ماجه).
المصدر: حملة السكينة