د. عدنان بن عبد الله الشيحة
كيف نرى الوطن؟ تساؤل كبير وخطير ومهم وأظنه مفاجئا لكثيرين على جميع المستويات! وهو يأتي في وقت نواجه فيه كوطن تحديات كبيرة أفرزتها المتغيرات المتسارعة والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية. تتطلب هذه المستجدات ـــ بكل تأكيد ـــ إمعان النظر فيما يحدث، والمسارعة في البحث بجدية عن سبل وخيارات جديدة تضمن التكيف معها واحتواءها، بل جعلها تعمل لمصلحتنا. المنطلق نحو التطوير وخلق الظروف المناسبة للحفاظ على هويتنا وثوابتنا الوطنية هو الإيمان العميق بالمصير المشترك، وأننا دون استثناء نعيش في السفينة نفسها، وهذا يحتم علينا جميعا التعاون والتكاتف من أجل الوصول بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان وتجنيبها المخاطر. لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون من بيننا من يشذ عن حالة الإجماع الوطني التي تستلزم تأطيرها مؤسسيا على أساس من الشفافية والموضوعية والانفتاح والتوافق والتراضي. إن الحفاظ على الثوابت الوطنية يستوجب إعادة صياغتها بأسلوب يتناسب مع معطيات العصر وتحقيق تطلعات المجتمع الحاضرة واستحقاقات الأجيال القادمة. العنوان الأبرز هنا هو الاستدامة وإكمال مسيرة الأجداد والنهج الذي ساروا عليه والإرث العظيم الذي ننعم فيه بالحفاظ على نعمة الأخوة والأمن والأمان والرخاء الاقتصادي. لا شك أن الظروف تغيرت والقضايا الوطنية أصبحت أكثر تعقيدا والتحديات تحيط بنا من كل حدب وصوب، لكن تبقى القيم الاجتماعية المبنية على التآخي الإسلامي والثقافة السياسية التي تنطلق من سياسة الباب المفتوح والعلاقة الفطرية الحميمة بين الحاكم والمحكوم ببيعة شرعية، عناصر مهمة في خلق التوازن في المجتمع والعبور بالوطن إلى آفاق أرحب من النضج الحضاري والسياسي والاقتصادي. ومؤشر مستوى النضج الاجتماعي السياسي هو القدرة على إدارة الاختلاف واستيعاب الآراء المختلفة واحتواء المستجدات بكفاءة وفاعلية واستجابة عالية وعادلة.
الاعتراف بخصوصيتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كوصف وليس كمعيار يملي علينا النظر إليها برؤية تحليلية موضوعية وحيادية وصادقة تميز بين الإيجابيات والسلبيات، وليس كعائق لنقاش قضايانا الوطنية بشفافية وحرية وخارج المعتاد. هذا الانعتاق من التفكير النمطي يتطلب مناقشة ما لم يكن يناقش ومنح جميع القضايا مساحة أكبر للتفكير الإبداعي ووضع تصورات مستقبلية لما نسعى ونرغب في تحقيقه كمجتمع. التطور الاجتماعي أمر حتمي وسُنة كونية وليس خيارا، والدلائل التاريخية تشير إلى ذلك. لذا كان أفضل أسلوب لإدارة التغير الاجتماعي هو إحداثه ابتداء. والمتأمل لتاريخ المجتمع السعودي يجد أنه مر بمراحل عدة جاءت كل مرحلة استجابة لمعطيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وتقنية جديدة. ما يميز المرحلة الراهنة أن التغيرات وقعها أسرع من ذي قبل، وهي أكثر تعقيدا وتتطلب حلولا جذرية سريعة وليست تراكمية بطيئة. هذه التحولات التي يعيشها المجتمع سواء في ارتفاع نسبة التحضر وتزايد أعداد السكان وتغير نمط الاستهلاك وارتفاع سقف التوقعات والتواصل الاجتماعي عبر وسائل الإعلام الجديد وظهور مشكلات لم تعهد من قبل مثل الإرهاب والمخدرات وغيرها يجب أن يقابلها تطوير في الهياكل والسياسات الاقتصادية والسياسية بما يتفق مع مجريات الأمور والأحداث على أرض الواقع.
التحدي الكبير في تعزيز الهوية الوطنية والعمل المشترك وتحقيق تنمية حقيقية تنقل المجتمع إلى العالم الأول هو أن البعض من النافذين والعموم ينظر للوطن على أنه غنيمة ويحدد علاقته وولاءه على معيار مادي صرف، فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، ويكون همه استقطاع أكبر جزء من الكعكة الاقتصادية وليس تكبيرها بالمساهمة في جهود التنمية. الوطن ليس حالة ظرفية مؤقتة، إنما شعور عميق يسكن في وجداننا وجزء من كينونتنا الشخصية. ربما لم نحسن تجذير هذا المفهوم لدى الأجيال بسبب الاهتمام ببناء البنى التحتية والتركيز على تطوير الجوانب المادية على حساب الجوانب التنظيمية وتطوير عملية صنع القرار العام. هذا الإغفال لتطوير علاقة المواطن بالتنمية وتعزيز انتمائه الوطني من خلال توسيع مشاركته في صنع القرار وتحمله مسؤولية إدارة المجتمعات المحلية العامل الأساس في انتشار ثقافة "أخذ الكثير بأقل القليل" لتكون العلاقة مع الوطن ميكانيكية مادية. حتى أصبح المواطنون بجميع فئاتهم ومستوياتهم يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة الذاتية على حساب المصلحة العامة. والشواهد على ذلك كثيرة، فها نحن نرى معظم الطلاب يرغبون في أعلى الدرجات بأقل اجتهاد، وفي قطاع الأعمال لا يكاد ينشئ المستثمر مشروعا إلا كان همه زيادة أرباحه بجميع الطرق المشروعة وغير المشروعة. هذا الوضع الثقافي أوجد حالة من الانفصام في المجتمع وفجوة كبيرة بين ما نقول وما نفعل، وأصبح الجميع لا يرغب في الوقوف في الصف واحترام القانون والوقت والسعي للإنتاجية والبحث عن الأفضل. ومتى ما أصبح معيار العلاقة بالوطن ماديا اقتصاديا صرفا فإنه يتغير بتغير الأحوال ولا يثبت في الأوقات الصعبة.
المهم ليس كتابة قصة الوطن، إنما المهم كيف نرويها، وأخشى أننا نرويها بطريقة تعكس العلاقة الاقتصادية المادية وليس الانتماء الوطني العاطفي الحميمي. نقاش القضايا العامة يدور حول المنافع الشخصية أو صراعات أيديولوجية لا تمت بصلة للواقع، ولا تقدم حلولاً جديدة للمشكلات الاجتماعية، بل تتوقف عند الانتصار للرأي وتسفيه آراء الآخرين. وهكذا يتحول الانتقاد إلى انتقام ويتم التركيز على السلبيات وكيل الاتهام وترويج الشائعات بسبب تلك الفجوة بين المواطن وصانع القرار التي تجعله يروي قصة الوطن بنظرة سلبية.
كيف نرى الوطن؟ تساؤل كبير وخطير ومهم وأظنه مفاجئا لكثيرين على جميع المستويات! وهو يأتي في وقت نواجه فيه كوطن تحديات كبيرة أفرزتها المتغيرات المتسارعة والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية. تتطلب هذه المستجدات ـــ بكل تأكيد ـــ إمعان النظر فيما يحدث، والمسارعة في البحث بجدية عن سبل وخيارات جديدة تضمن التكيف معها واحتواءها، بل جعلها تعمل لمصلحتنا. المنطلق نحو التطوير وخلق الظروف المناسبة للحفاظ على هويتنا وثوابتنا الوطنية هو الإيمان العميق بالمصير المشترك، وأننا دون استثناء نعيش في السفينة نفسها، وهذا يحتم علينا جميعا التعاون والتكاتف من أجل الوصول بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان وتجنيبها المخاطر. لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون من بيننا من يشذ عن حالة الإجماع الوطني التي تستلزم تأطيرها مؤسسيا على أساس من الشفافية والموضوعية والانفتاح والتوافق والتراضي. إن الحفاظ على الثوابت الوطنية يستوجب إعادة صياغتها بأسلوب يتناسب مع معطيات العصر وتحقيق تطلعات المجتمع الحاضرة واستحقاقات الأجيال القادمة. العنوان الأبرز هنا هو الاستدامة وإكمال مسيرة الأجداد والنهج الذي ساروا عليه والإرث العظيم الذي ننعم فيه بالحفاظ على نعمة الأخوة والأمن والأمان والرخاء الاقتصادي. لا شك أن الظروف تغيرت والقضايا الوطنية أصبحت أكثر تعقيدا والتحديات تحيط بنا من كل حدب وصوب، لكن تبقى القيم الاجتماعية المبنية على التآخي الإسلامي والثقافة السياسية التي تنطلق من سياسة الباب المفتوح والعلاقة الفطرية الحميمة بين الحاكم والمحكوم ببيعة شرعية، عناصر مهمة في خلق التوازن في المجتمع والعبور بالوطن إلى آفاق أرحب من النضج الحضاري والسياسي والاقتصادي. ومؤشر مستوى النضج الاجتماعي السياسي هو القدرة على إدارة الاختلاف واستيعاب الآراء المختلفة واحتواء المستجدات بكفاءة وفاعلية واستجابة عالية وعادلة.
الاعتراف بخصوصيتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كوصف وليس كمعيار يملي علينا النظر إليها برؤية تحليلية موضوعية وحيادية وصادقة تميز بين الإيجابيات والسلبيات، وليس كعائق لنقاش قضايانا الوطنية بشفافية وحرية وخارج المعتاد. هذا الانعتاق من التفكير النمطي يتطلب مناقشة ما لم يكن يناقش ومنح جميع القضايا مساحة أكبر للتفكير الإبداعي ووضع تصورات مستقبلية لما نسعى ونرغب في تحقيقه كمجتمع. التطور الاجتماعي أمر حتمي وسُنة كونية وليس خيارا، والدلائل التاريخية تشير إلى ذلك. لذا كان أفضل أسلوب لإدارة التغير الاجتماعي هو إحداثه ابتداء. والمتأمل لتاريخ المجتمع السعودي يجد أنه مر بمراحل عدة جاءت كل مرحلة استجابة لمعطيات اجتماعية وسياسية واقتصادية وتقنية جديدة. ما يميز المرحلة الراهنة أن التغيرات وقعها أسرع من ذي قبل، وهي أكثر تعقيدا وتتطلب حلولا جذرية سريعة وليست تراكمية بطيئة. هذه التحولات التي يعيشها المجتمع سواء في ارتفاع نسبة التحضر وتزايد أعداد السكان وتغير نمط الاستهلاك وارتفاع سقف التوقعات والتواصل الاجتماعي عبر وسائل الإعلام الجديد وظهور مشكلات لم تعهد من قبل مثل الإرهاب والمخدرات وغيرها يجب أن يقابلها تطوير في الهياكل والسياسات الاقتصادية والسياسية بما يتفق مع مجريات الأمور والأحداث على أرض الواقع.
التحدي الكبير في تعزيز الهوية الوطنية والعمل المشترك وتحقيق تنمية حقيقية تنقل المجتمع إلى العالم الأول هو أن البعض من النافذين والعموم ينظر للوطن على أنه غنيمة ويحدد علاقته وولاءه على معيار مادي صرف، فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، ويكون همه استقطاع أكبر جزء من الكعكة الاقتصادية وليس تكبيرها بالمساهمة في جهود التنمية. الوطن ليس حالة ظرفية مؤقتة، إنما شعور عميق يسكن في وجداننا وجزء من كينونتنا الشخصية. ربما لم نحسن تجذير هذا المفهوم لدى الأجيال بسبب الاهتمام ببناء البنى التحتية والتركيز على تطوير الجوانب المادية على حساب الجوانب التنظيمية وتطوير عملية صنع القرار العام. هذا الإغفال لتطوير علاقة المواطن بالتنمية وتعزيز انتمائه الوطني من خلال توسيع مشاركته في صنع القرار وتحمله مسؤولية إدارة المجتمعات المحلية العامل الأساس في انتشار ثقافة "أخذ الكثير بأقل القليل" لتكون العلاقة مع الوطن ميكانيكية مادية. حتى أصبح المواطنون بجميع فئاتهم ومستوياتهم يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة الذاتية على حساب المصلحة العامة. والشواهد على ذلك كثيرة، فها نحن نرى معظم الطلاب يرغبون في أعلى الدرجات بأقل اجتهاد، وفي قطاع الأعمال لا يكاد ينشئ المستثمر مشروعا إلا كان همه زيادة أرباحه بجميع الطرق المشروعة وغير المشروعة. هذا الوضع الثقافي أوجد حالة من الانفصام في المجتمع وفجوة كبيرة بين ما نقول وما نفعل، وأصبح الجميع لا يرغب في الوقوف في الصف واحترام القانون والوقت والسعي للإنتاجية والبحث عن الأفضل. ومتى ما أصبح معيار العلاقة بالوطن ماديا اقتصاديا صرفا فإنه يتغير بتغير الأحوال ولا يثبت في الأوقات الصعبة.
المهم ليس كتابة قصة الوطن، إنما المهم كيف نرويها، وأخشى أننا نرويها بطريقة تعكس العلاقة الاقتصادية المادية وليس الانتماء الوطني العاطفي الحميمي. نقاش القضايا العامة يدور حول المنافع الشخصية أو صراعات أيديولوجية لا تمت بصلة للواقع، ولا تقدم حلولاً جديدة للمشكلات الاجتماعية، بل تتوقف عند الانتصار للرأي وتسفيه آراء الآخرين. وهكذا يتحول الانتقاد إلى انتقام ويتم التركيز على السلبيات وكيل الاتهام وترويج الشائعات بسبب تلك الفجوة بين المواطن وصانع القرار التي تجعله يروي قصة الوطن بنظرة سلبية.