الحسبة تعني المحافظة على الإطار الأخلاقي والبحث عن الأفضل في كل مناحي الحياة، فزيادة الإنتاجية واحترام الوقت وتعزيز القيم الدينية وكل ما يؤدي إلى قوة الأمة ومنعتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فهو هدف الحسبة وغايتها. ولذا كان من الخطأ اختزال مفهوم الحسبة في دائرة ضيقة من المظاهر التعبدية والأخلاقية الشكلية. فلا يصح أن ترتقي الأمة السلم الحضاري، كما أريد لها وتصل إلى الخيرية تحقيقا لقوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، دون أن تبذل جهدا في إعمار الأرض والبحث عن المثالية وقيادة الأمم الأخرى عبر الارتقاء بأسلوب الحياة العامة بتطبيق القانون بكل أنواعه وأشكاله عدلا ومساواة وموضوعية وفي كل الأحوال والظروف. هذا المفهوم الواسع للحسبة ينبع من رحابة الإسلام وشموليته لكل أمور الحياة وأنه يدور حيثما دارت. ولذا يكون هذا الفهم القاصر للإسلام والتركيز على جانب العبادات على حساب جانب المعاملات عقبة كؤود أمام تقدم الأمة بل السبب الرئيس وراء تخلفها وعدم وصولها للخيرية مسعاها الأول والأخير. ومع أن العبادات يفترض أن تفضي إلى تحسين التعامل بين الناس في شؤونهم العامة والخاصة إلا أن الكثيرين مع الأسف لديهم معايير مزدوجة وثغرة كبيرة بين القول والعمل. فهناك من يصلي ويصوم ولكنه لا يتوانى عن الغش والخداع والتدليس والإهمال في العمل وتضييع الوقت وإذا كان كذلك لم يتحقق الغرض الأساس من العبادة وهو تقوى الله في السر والعلن، فالقصد من الصلاة شحن المسلم بتقوى الله وزيادة وعيه وحسه بعظمته، فإذا ما خالط الناس عاملهم بما يرضي الله. إلا أن المشاهد عند الكثيرين عكس ذلك فترى البعض وقد تلبسهم اعتقاد خاطئ في أن العبادة تمنحهم الرخصة والحماية الإلهية في التعامل الخاطئ مع الآخرين والأشياء من حولهم بالتعدي عليهم وسلب حقوقهم والتطاول على أموالهم وربما أعراضهم طالما أنهم يؤدون حركات وأفعال العبادة ظاهرية دون خشوع داخلي يؤثر في القلب والعقل وتذكر لعظمة الله وأنه القاهر فوق عباده، وترى البعض يفهم من الآية «إن الحسنات يذهبن السيئات» ذريعة ليصر على المعصية واقتراف المنكرات بكامل وعيه ومعرفته بالحكم الشرعي فإذا فرغ من منكره قام يصلي ويصوم ويتصدق! هذا تناقض صريح بين القيم والمبادئ والأفعال والأعمال فهو أقرب للرياء والعياذ بالله وقد ذم الله أولئك الذين يقولون ما لا يفعلون «يأيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» وهو ضد وحدة الصف وقوة الأمة ومنعتها فقد اتبعت الآية آية تبين ما يحبه الله «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص». البنيان المرصوص يقتضي التلاحم والانتظام وانسجام القيم مع الأفعال وتطبيق القانون وتوحيد الهدف، ودون ذلك تتفكك الأمة وتتشرذم وتصبح ضعيفة تقتات على نتاج الآخرين. فعندما يفتقد هذا الانسجام بين القول والعمل تكون الأزمة الاجتماعية، إذ حينها نفتقد الهوية والثقة بالنفس والآخرين ويتحول المجتمع إلى صورة تزينها الأقوال وتكذبها الأفعال! هذه هي الإشكالية الحقيقية التي يجب التركيز عليها وتكون منطلقا لجهود الحسبة في إعادة تثقيف المجتمع وإعادة التفكير في وظيفة الحسبة من الاقتصار على الشأن الخاص الفردي إلى الشأن العام. لكن كيف السبيل إلى ذلك ومفهوم الحسبة ما زال يهتم بالشكليات دون النتائج ودون ربطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن الحسبة تقع في جوهر العمل الاجتماعي المدني وأسلوب لتقييم حالة المجتمع وعملية للتعلم وزيادة الوعي وإدراك الأخطاء قبل استفحالها والارتقاء بسلوكيات الأفراد وسياسات المؤسسات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لم يعد المجتمع بسيطا صغيرا يناسبه الأسلوب البسيط ذاته من الحث على الصلاة في الأماكن العامة ومراقبة سلوكيات الأفراد، فالمجتمع شهد ويشهد تحولا كبيرا في جوانب اقتصادية واجتماعية وسكانية وتقنية وكان لا بد من الارتقاء بوظيفة الحسبة لتنسجم مع المستجدات والمتغيرات ولتحقق الغرض منها بكفاءة وفاعلية ويكون مردودها إيجابيا محسوسا على الاقتصاد والمجتمع. إن الرؤية المشتركة والمعايير المهنية والأخلاقية ونشر ثقافة العمل واحترام القانون والوقت وهي قيم يدعو إليها الإسلام ويحث عليها والسبب وراء الإرث الحضاري للأمة هو ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة المقبلة. وهذا في حقيقته يدعو إلى تحول دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من معالجة الأخطاء إلى دور أكثر إيجابية في منع حدوثها في المقام الأول فالأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر. وهذا يحتم النظر في أسباب المشكلات الاجتماعية والتي من أهمها الفراغ لدى الشباب والبطالة ما يقودهم إلى محاولة لفت نظر المجتمع إليهم عبر سلوكيات شاذة وتنبيهنا إلى أننا ننظر إليهم نظرة الريبة والشك وعدم الثقة بأخلاقياتهم ليعيشوا منعزلين في المجتمع. وعادة ما تحصل المجتمعات على ما تتوقعه من شبابها! ومجتمعنا يصلح أن يكون شاهدا على ذلك. الأصل أن يكون منطلق الحسبة حسن الظن وأن الجميع على خلق سوي وإلا كان ذلك اتهاما خطيرا لمجتمعنا الإسلامي وبالتالي كان من الأجدر أن ينفتح المجتمع ولكن بحرية مقننة، حيث يكون الفرد حرا في تصرفه طالما أنه لم يتعد على حريات الآخرين. ومن هذا المنطلق كان لا بد على سبيل المثال فتح الأماكن العامة أمام الشباب بتواجد أمني يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين. هناك كثير من المجتمعات أكثر حرية وانفتاحا من مجتمعنا ومع هذا لا يتم الاعتداء على الآخرين بحكم التطبيق الصارم للقانون والذي لا هوادة فيه ولا محاباة. مشكلة الشباب أنهم لم يعتادوا التصرف بحرية وثقة وأمان واحترام للقانون ليعيش كل واحد منهم عالمه الخاص منكفئا على نفسه والنتيجة سلوكيات غير مسؤولة. الأمر الأهم هو أنهم افتقدوا الرقابة الذاتية من عند أنفسهم، ولذا حالما تغيبت عين الرقيب يمارسون سلوكياتهم الخاطئة في تحد لسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي انتزعت منهم لتكون في جهاز بيروقراطي بعيد عن إدراك اهتماماتهم ومعالجة مشكلاتهم ليكون عامل ضغط يضاف إلى الضغوط الحياتية الأخرى. الحسبة مسؤولية الجميع ويجب أن تبقى كذلك فقد أشار بعض المفسرين أن «من» في الآية «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» بيانية وليست للتبعيض فالمعنى: كونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
هناك تحرك محمود من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وضع استراتيجية ورؤية مستقبلية للجهاز وهذه خطوة على الطريق الصحيح، أتمنى أن يؤدي ذلك إلى إعادة صياغة لدور الهيئة ليكون أكثر ارتباطا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة النظر في تناول قضايا الشباب وإيجاد حلول أكثر إبداعية بدلا من سياسة المنع التي لم تجد نفعا وتعطينا انطباعا خاطئا في أننا ندعو للفضيلة ونحارب الفساد بينما الأمور تزداد سوءا.
د. عدنان بن عبد الله الشيحة
إن الحسبة تقع في جوهر العمل الاجتماعي المدني وأسلوب لتقييم حالة المجتمع وعملية للتعلم وزيادة الوعي وإدراك الأخطاء قبل استفحالها والارتقاء بسلوكيات الأفراد وسياسات المؤسسات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لم يعد المجتمع بسيطا صغيرا يناسبه الأسلوب البسيط ذاته من الحث على الصلاة في الأماكن العامة ومراقبة سلوكيات الأفراد، فالمجتمع شهد ويشهد تحولا كبيرا في جوانب اقتصادية واجتماعية وسكانية وتقنية وكان لا بد من الارتقاء بوظيفة الحسبة لتنسجم مع المستجدات والمتغيرات ولتحقق الغرض منها بكفاءة وفاعلية ويكون مردودها إيجابيا محسوسا على الاقتصاد والمجتمع. إن الرؤية المشتركة والمعايير المهنية والأخلاقية ونشر ثقافة العمل واحترام القانون والوقت وهي قيم يدعو إليها الإسلام ويحث عليها والسبب وراء الإرث الحضاري للأمة هو ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة المقبلة. وهذا في حقيقته يدعو إلى تحول دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من معالجة الأخطاء إلى دور أكثر إيجابية في منع حدوثها في المقام الأول فالأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر. وهذا يحتم النظر في أسباب المشكلات الاجتماعية والتي من أهمها الفراغ لدى الشباب والبطالة ما يقودهم إلى محاولة لفت نظر المجتمع إليهم عبر سلوكيات شاذة وتنبيهنا إلى أننا ننظر إليهم نظرة الريبة والشك وعدم الثقة بأخلاقياتهم ليعيشوا منعزلين في المجتمع. وعادة ما تحصل المجتمعات على ما تتوقعه من شبابها! ومجتمعنا يصلح أن يكون شاهدا على ذلك. الأصل أن يكون منطلق الحسبة حسن الظن وأن الجميع على خلق سوي وإلا كان ذلك اتهاما خطيرا لمجتمعنا الإسلامي وبالتالي كان من الأجدر أن ينفتح المجتمع ولكن بحرية مقننة، حيث يكون الفرد حرا في تصرفه طالما أنه لم يتعد على حريات الآخرين. ومن هذا المنطلق كان لا بد على سبيل المثال فتح الأماكن العامة أمام الشباب بتواجد أمني يمنع الاعتداء على حقوق الآخرين. هناك كثير من المجتمعات أكثر حرية وانفتاحا من مجتمعنا ومع هذا لا يتم الاعتداء على الآخرين بحكم التطبيق الصارم للقانون والذي لا هوادة فيه ولا محاباة. مشكلة الشباب أنهم لم يعتادوا التصرف بحرية وثقة وأمان واحترام للقانون ليعيش كل واحد منهم عالمه الخاص منكفئا على نفسه والنتيجة سلوكيات غير مسؤولة. الأمر الأهم هو أنهم افتقدوا الرقابة الذاتية من عند أنفسهم، ولذا حالما تغيبت عين الرقيب يمارسون سلوكياتهم الخاطئة في تحد لسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي انتزعت منهم لتكون في جهاز بيروقراطي بعيد عن إدراك اهتماماتهم ومعالجة مشكلاتهم ليكون عامل ضغط يضاف إلى الضغوط الحياتية الأخرى. الحسبة مسؤولية الجميع ويجب أن تبقى كذلك فقد أشار بعض المفسرين أن «من» في الآية «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» بيانية وليست للتبعيض فالمعنى: كونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
هناك تحرك محمود من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وضع استراتيجية ورؤية مستقبلية للجهاز وهذه خطوة على الطريق الصحيح، أتمنى أن يؤدي ذلك إلى إعادة صياغة لدور الهيئة ليكون أكثر ارتباطا بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعادة النظر في تناول قضايا الشباب وإيجاد حلول أكثر إبداعية بدلا من سياسة المنع التي لم تجد نفعا وتعطينا انطباعا خاطئا في أننا ندعو للفضيلة ونحارب الفساد بينما الأمور تزداد سوءا.
د. عدنان بن عبد الله الشيحة