جمع وإعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم
حياتنا والاستهلاك (2)
تكلمنا في المقال السابق عن عوارض مرض حمى الاستهلاك، والآن نكمل هذه العوارض.
العارض الرابع: احتقان مزمن.
ماذا نعني باحتقان مزمن؟
لقد أصبحنا محشورين في البيوت، في الشوارع، وفي أماكن العمل، بأكوام من الأشياء، وأشياؤنا تتطلب منا أن نعتني بها أولًا، نخزنها ثم نرميها، لنقوم من جديد بشراء بديل عنها ... إلخ.
وكلما حصلنا على شيء جديد، نضطر إلى شراء شيء آخر معه.
عندما نتكلم عن الأمس، نجد أمثلة بسيطة قد تكشف لنا كيف تغلغلت اليوم ثقافة الاستهلاك.
الأم في الماضي حينما يكون عندها فائض من الطعام، فإنها بمهارة تحوله إلى طبق آخر، وكذلك سرعان ما كان يتحول ثوب الشقيقة الكبرى ليلائم الصغرى، بإضافة لمسات أنيقة فيبدو زاهيًا جديدًا.
واليوم فإن الأم الفقيرة بل المعدمة لا تفكر بالقيام بمثل تلك الأشياء!
فكيف بالأم التي تعيش في منزلها محشورة بالأكوام المتراكمة من المقتنيات والأشياء؟!
لقد أبدع آباء اليوم تربية جيل أتقن فن التبذير والاستهلاك.
ألسنا نحن الآباء من نعزز النزعة الفردية، الأنانية، حب التملك والاستئثار عند أبنائنا، عندما نلبي على الفور طلباتهم ورغباتهم، التي تتنامى طردًا مع تنامي الأشياء من حولهم؟
فكيف نتوقع من صغارنا مستقبلًا أن يجيدوا -فضلًا عن أن يهتموا- الحديث حول المضامين الهامة والخطيرة، إذا ما تمت تنشئتهم في الحلية والمتاع والرفاهية والزينة؟!.
لقد لخص أعظم من أوتي البيان والعلم بالإنسان: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبسطر واحد فقط، كل ما جاء به العلماء في الغرب، عن أثر الأنماط الفكرية والثقافة المعاشة التي درج عليها الآباء في تشكيل قيم ومفاهيم الأبناء: ) كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ( رواه مسلم.
العارض الخامس: ضغط الإفراط (تحت وطأة الاستزادة).
نحن اليوم نعيش دوامة التقدم والازدهار، التقدم الاقتصادي يعني إنتاجًا أكثر، والإنتاج يتطلب إثارة رغبات استهلاكية أكثر، واستهلاك ما هو أكثر يستدعي ساعات عمل أطول، وكثافة ساعات العمل أدت إلى ضغط الوقت، وهذا أدى بدوره إلى مرض الإجهاد الحاد.
وأما ما تبقى لنا من وقت، فإننا نمضيه في مشاهدة التلفاز الذي أدى بدوره إلى انخفاض ساعات نومنا والإضرار بصحتنا.
هناك نعم أهدرت من أجل التنافس على متاع الدنيا الزائل، ولشد ما يلحق الغبن بالإنسان إذا ما أهدر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ) نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ ( متفق عليه.
وما أسعد من سخر صحته، ووقته وعمره في ولوج مضمار التقوى: التسابق على الطاعة، والخير والبر والإحسان إلى الناس؛ ليفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
العارض السادس: تشنجات أسرية.
هنالك اليوم تنافر ما بين القيم المادية والقيم الأسرية.
إن التعارض القائم ما بين الرغبة بالنمو الاقتصادي السريع والتغيير الاقتصادي الجذري من جهة، وبين الحاجة من جهة أخرى إلى القيم الأسرية والاستقرار الاجتماعي، أمر شديد التناقض، ومن الممكن أن يبقى التعارض قائمًا ومستمرًا ما رفضنا وبعدائية النظر فيه.
إننا نحن الناس الذين نشكل المجتمع، نحن الآباء والأبناء الذين يرغبون أن يعيشوا أجواء العدل ضمن بيئة صحية جميلة.
وقد آن أوان التحليل وربط الأسباب بمسبباتها، لندرك كيف تم التحول عن الأخلاق والقيم الإيمانية إلى القيم المادية، وكيف كانت مخالفة سنن الله -عز وجل- في الأنفس السبب في الانهيار الأسري القائم اليوم.
لقد وقفت الأسرة في مجتمعاتنا على شفا جرف هار، منذ أن صدّعت المادية أسس البناء الأسري، أو بكلمة أكثر صحة أساس البناء الفكري والقيمي للمسلم، وكاد أن ينهار أهم معقل من معاقل الإسلام (الأسرة).
وقد آن الأوان أن نعيد تأسيس البنيان الأسري على تقوى من الله ورضوان؛ لتكون كما أرادها -عز وجل- آية من آياته، قال تعالى: ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾ [الروم: 21].
إن بناء شراكة زوجية يجد فيها كل شريك بالآخر الأنس والسكنى والسكينة والسكن الدائم، لا تقوم بوصفة سحرية، أو بخارقة من السماء، بل بعمل دؤوب، يسعى فيه كل من الشريكين وبموجب الميثاق الغليظ الذي عقداه أمام الله، على أداء الواجب قبل المطالبة بالحق.
بل يجب أن يتجاوزا الواجب إلى الرحمة، رحمة كل طرف منهما بالآخر؛ لتكون رابطة المودة والرحمة الوجه الملموس والمظهر المجلي لكلمة (حب)، حتى الحب يصنع صناعة، ويبنى يومًا فيومًا، وساعة ساعة بالإرادة.
بسم الله الرحمن الرحيم
حياتنا والاستهلاك (2)
تكلمنا في المقال السابق عن عوارض مرض حمى الاستهلاك، والآن نكمل هذه العوارض.
العارض الرابع: احتقان مزمن.
ماذا نعني باحتقان مزمن؟
لقد أصبحنا محشورين في البيوت، في الشوارع، وفي أماكن العمل، بأكوام من الأشياء، وأشياؤنا تتطلب منا أن نعتني بها أولًا، نخزنها ثم نرميها، لنقوم من جديد بشراء بديل عنها ... إلخ.
وكلما حصلنا على شيء جديد، نضطر إلى شراء شيء آخر معه.
عندما نتكلم عن الأمس، نجد أمثلة بسيطة قد تكشف لنا كيف تغلغلت اليوم ثقافة الاستهلاك.
الأم في الماضي حينما يكون عندها فائض من الطعام، فإنها بمهارة تحوله إلى طبق آخر، وكذلك سرعان ما كان يتحول ثوب الشقيقة الكبرى ليلائم الصغرى، بإضافة لمسات أنيقة فيبدو زاهيًا جديدًا.
واليوم فإن الأم الفقيرة بل المعدمة لا تفكر بالقيام بمثل تلك الأشياء!
فكيف بالأم التي تعيش في منزلها محشورة بالأكوام المتراكمة من المقتنيات والأشياء؟!
لقد أبدع آباء اليوم تربية جيل أتقن فن التبذير والاستهلاك.
ألسنا نحن الآباء من نعزز النزعة الفردية، الأنانية، حب التملك والاستئثار عند أبنائنا، عندما نلبي على الفور طلباتهم ورغباتهم، التي تتنامى طردًا مع تنامي الأشياء من حولهم؟
فكيف نتوقع من صغارنا مستقبلًا أن يجيدوا -فضلًا عن أن يهتموا- الحديث حول المضامين الهامة والخطيرة، إذا ما تمت تنشئتهم في الحلية والمتاع والرفاهية والزينة؟!.
لقد لخص أعظم من أوتي البيان والعلم بالإنسان: سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبسطر واحد فقط، كل ما جاء به العلماء في الغرب، عن أثر الأنماط الفكرية والثقافة المعاشة التي درج عليها الآباء في تشكيل قيم ومفاهيم الأبناء: ) كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ( رواه مسلم.
العارض الخامس: ضغط الإفراط (تحت وطأة الاستزادة).
نحن اليوم نعيش دوامة التقدم والازدهار، التقدم الاقتصادي يعني إنتاجًا أكثر، والإنتاج يتطلب إثارة رغبات استهلاكية أكثر، واستهلاك ما هو أكثر يستدعي ساعات عمل أطول، وكثافة ساعات العمل أدت إلى ضغط الوقت، وهذا أدى بدوره إلى مرض الإجهاد الحاد.
وأما ما تبقى لنا من وقت، فإننا نمضيه في مشاهدة التلفاز الذي أدى بدوره إلى انخفاض ساعات نومنا والإضرار بصحتنا.
هناك نعم أهدرت من أجل التنافس على متاع الدنيا الزائل، ولشد ما يلحق الغبن بالإنسان إذا ما أهدر، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ) نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ ( متفق عليه.
وما أسعد من سخر صحته، ووقته وعمره في ولوج مضمار التقوى: التسابق على الطاعة، والخير والبر والإحسان إلى الناس؛ ليفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
العارض السادس: تشنجات أسرية.
هنالك اليوم تنافر ما بين القيم المادية والقيم الأسرية.
إن التعارض القائم ما بين الرغبة بالنمو الاقتصادي السريع والتغيير الاقتصادي الجذري من جهة، وبين الحاجة من جهة أخرى إلى القيم الأسرية والاستقرار الاجتماعي، أمر شديد التناقض، ومن الممكن أن يبقى التعارض قائمًا ومستمرًا ما رفضنا وبعدائية النظر فيه.
إننا نحن الناس الذين نشكل المجتمع، نحن الآباء والأبناء الذين يرغبون أن يعيشوا أجواء العدل ضمن بيئة صحية جميلة.
وقد آن أوان التحليل وربط الأسباب بمسبباتها، لندرك كيف تم التحول عن الأخلاق والقيم الإيمانية إلى القيم المادية، وكيف كانت مخالفة سنن الله -عز وجل- في الأنفس السبب في الانهيار الأسري القائم اليوم.
لقد وقفت الأسرة في مجتمعاتنا على شفا جرف هار، منذ أن صدّعت المادية أسس البناء الأسري، أو بكلمة أكثر صحة أساس البناء الفكري والقيمي للمسلم، وكاد أن ينهار أهم معقل من معاقل الإسلام (الأسرة).
وقد آن الأوان أن نعيد تأسيس البنيان الأسري على تقوى من الله ورضوان؛ لتكون كما أرادها -عز وجل- آية من آياته، قال تعالى: ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾ [الروم: 21].
إن بناء شراكة زوجية يجد فيها كل شريك بالآخر الأنس والسكنى والسكينة والسكن الدائم، لا تقوم بوصفة سحرية، أو بخارقة من السماء، بل بعمل دؤوب، يسعى فيه كل من الشريكين وبموجب الميثاق الغليظ الذي عقداه أمام الله، على أداء الواجب قبل المطالبة بالحق.
بل يجب أن يتجاوزا الواجب إلى الرحمة، رحمة كل طرف منهما بالآخر؛ لتكون رابطة المودة والرحمة الوجه الملموس والمظهر المجلي لكلمة (حب)، حتى الحب يصنع صناعة، ويبنى يومًا فيومًا، وساعة ساعة بالإرادة.