منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

منتدى مدرسه الحبجيه المتوسطه في منطقة جازان ويتضمن المنتدى نتائج الطلاب واخبار المدرسه


    الثقافة بين العلم والخرافة

    ساعد وطني
    ساعد وطني


    المساهمات : 309
    تاريخ التسجيل : 29/10/2012

    الثقافة بين العلم والخرافة Empty الثقافة بين العلم والخرافة

    مُساهمة  ساعد وطني الإثنين أكتوبر 29, 2012 1:54 pm

    عندما وجد الإنسان الأول على وجه البسيطة كان بدائياً في تفكيره وتصرفاته بكل ما تعنيه كلمة بدائية من بدائية. كان يزعجه كل ما يتحرك من حوله أو يهبط من فوقه أو يموج من تحته، من رياح ومطر وأعاصير وحتى براكين وزلازل وحيوانات مفترسة تحوم حول حماه، تسن أنيابها لافتراسه وكذلك الأمراض التي تفتك بجسده شبه العاري وتخطف منه أحبابه الواحد تلو الآخر. كان عقل الإنسان الأول، ليس مثل عقل إنسان الحضارات والعلم التي تلته من حيث تواضع قدراته على التفكير والاستنباط والتحليل وذلك لانعدام التجربة المحرضة له على الملاحظة والتحليل والتفكير بشكل عام.
    كانت غريزة الخوف من كل ما حول الإنسان الأول لا العقل المحض المبني على التجربة والتحليل والاستنباط هي التي تحرك تفكيره في البداية وتحليله للظواهر الكونية والمرضية الجسدية والنفسية التي تنتابه وتباغته على حين غرة. وهكذا عندما غابت التجربة والخبرة عن الإنسان الأول حضر لديه الخيال بقوة وعندما حرك الخوف خياله، جمح خياله ليحلق في عوالم الغيب مبتعداً عن الواقع بمسافات ضوئية. ومن هنا حضرت لدى الإنسان الأول الخرافة وتمكنت منه بقوة وأصبحت محركه وصلة تواصله وارتباطه مع نفسه ومحيطه من حوله.
    خيال الإنسان الأول كان جامحاً لكونه مدفوعا بالخوف والريبة من كل شيء حوله ولذلك جعله يعتقد بأن الأرض محمولة على قرني ثور، وبأن هذا الثور كل ما تعب من ثقل الأرض بدل وضعها من قرن لآخر وهنا تحدث الزلازل. وبأن هنالك آلهة خير تهبه المطر واخضرار الأرض والأنعام وبأن هنالك آلهة شر تبلوه بالصواعق والبراكين والفيضانات كلما غضبت منه. كما أن خياله الطفولي الجامح المدفوع بالخوف جعله يعتقد بوجود شياطين وأرواح شريرة تدخل جسده وتصيبه بالأمراض النفسية والعضوية المميتة، ولذلك اخترع طقوس ودعوات لمحاربتها وخروجها وابتعادها عنه وتلافي شرورها وما شابه ذلك من خرافات تحولت لاحقاً لمعتقدات لا تمت لا للواقع ولا للعقل والمنطق بصلة.
    إذاً فالخرافة هي معتقد غير منطقي يفتقر للموضوعية المبنية على التجربة والاستنباط والتحليل الممنهج والمدروس، يتوارثها الناس من غير تمحيص أو تدقيق بمدى مصداقيتها ومطابقتها للعقل والمنطق، جيلا بعد جيل. وتتحول الخرافة مع الزمن لمعتقد جمعي يسيطر على وجدان غالبية مجتمع ما وتتحكم بتفكيره وتحكم تصرفات أفراده وعلاقاتهم مع بعض ومع محيطهم ولمدة طويلة. وتطول الخرافة في المجتمع وتسيطر عليه وتتمكن منه، عندما يحول بعض أفراد المجتمع الخرافة من خرافة لحقيقة قاطعة ويدعون العلم والتخصص بها والقدرة على السيطرة عليها وتخليص الناس من شرورها وجلب المنافع لهم من خلالها. ومن هنا تحولت الخرافة إلى صناعة، يتكسب من ورائها البعض مادياً ووجاهة اجتماعية وسياسية. وتطورت صناعة الخرافة من صناعة فردية أو صناعة أفراد إلى صناعة مؤسسية؛ عندما تمت مأسسة الخرافة وتحويلها إلى معتقد جمعي لا نقاش أو جدال حوله، يتم إدارة ورعاية شؤونه بواسطة مؤسسات بكاملها رسمية أو شعبوية.
    مروجو الخرافة والمعتاشون عليها، هم أول من يدافع عن حقيقتها الزائفة ويجللها بعباءات القداسة المصطنعة والمحرفة من أجل التكسب مادياً ووجاهياً من ورائها وهم يعلمون قبل غيرهم من المغرر بهم، أن نهاية الخرافة هي نهاية لهم ولكسبهم المريح ووجاهتهم الاجتماعية المرموقة التي يحظون بها وبدونها يتحولون لأصفار على الشمال في مجتمعاتهم. ولذلك فقد حصنوا مكاسبهم بتحصين الخرافة التي يقتاتون عليها من العلم والمنطق وذلك بتحريف الدين، ليجعلوا الخرافة جزءا منه ومن يشكك بها يشكك بالدين نفسه واعتبروا من استخدم العقل والمنطق لتفكيك زيفها وكذبها، قد تمنطق وعليه تزندق وحل قتله.
    كانت الكنيسة في روما في العصور المظلمة تكتسب جزءا كبيرا من قداستها ومكانتها الدينية والاجتماعية والسياسية المرموقة على الخرافة، فكرست جل جهدها لمحاربة العلم الذي يكشف زيف الخرافة ويدحضها. وكانت أول صدمة لهم في القرن الـ16 ميلادي، عندما أثبت العالم الفلكي والرياضي البولندي كوبرنيكوس بأن الشمس وليست الأرض محور الكون وبأن الأرض ليست ثابتة وهي تدور حول نفسها والشمس مع باقي الكواكب. وكان هذا منافياً لما كانت تبني عليه الكنيسة في روما معتقدها؛ حيث الأرض بالنسبة للفاتيكان هي مركز الكون والفاتيكان هي مركز الأرض وعليه فالفاتيكان هي مركز الكون. وقد أوصى العالم كوبرنيكوس بأن ينشر بحثه العلمي الذي يدحض خرافة الفاتيكان بعد موته، خوفا من التنكيل والقتل.
    وبدأ بعض العلماء يتجرؤون على إعلان مكتشفاتهم العلمية التي أخذت تدحض الخرافات الواحدة بعد الأخرى والتي كان يقتات عليها الكهنوت الكنسي في أوروبا. فأنشأت الكنيسة ما عرف بمحاكم التفتيش لإرهاب العلماء وإيقاف تمرد عقولهم غير المقدس عليها. وتمت محاكمة العالم الفلكي ومخترع التلسكوب جاليليو والذي تراجع عن إقراره بدوران الأرض حول الشمس، كما شاهده ورصده من خلال تلسكوبه المعجزة، خوفاً من الحرق والتنكيل. أما رجل الدين والعالم الشجاع برونو فقد رفض التنازل عن مقولته بأن ليس للكون محور محدد، وتم إحراقه حياً في إحدى ساحات روما. ولكن الاكتشافات العلمية في أوروبا أخذت تنير سماءها وعقول الناس وتهاوت الخرافات الواحدة تلو الأخرى تحت سنابك تلسكوبات ومختبرات العلماء التي مهدت بدورها لما عرف بحركة الإصلاح الديني في القرنين الـ16 والـ17الميلاديين.
    وبعد الإصلاح الديني في أوروبا وتطور العلم ظهرت حركة التنوير الفكري والفلسفي التي مهدت بدورها للإصلاح السياسي والحقوقي في أوروبا في القرن الـ18. الذي بدوره أوجد الثقافة العالمة التي نقلت إنسان الكرة الأرضية لعصر العلم والعقلانية والإنسانية والحداثة.
    عندما يكثر الاعتقاد بعدد كبير من الخرافات في مجتمع ما، تصبح ثقافته عبارة عن منظومة من الخرافات التي تحركه وتبتعد به عن واقعه المعاش وعليه يتحول لمجتمع خرافي. ومن سمات المجتمع الخرافي أن يصبح الخوف الزائد والخيال الشاطح هما بنية تحليله العقلي التي يعتمد عليها في تحليل واقعه المعاش وترتيب أوضاعه الداخلية والخارجية مع محيطه القريب منه والبعيد عنه ويدخله في أزمات غير متناهية مع نفسه ومع غيره.
    العلم إذاً هو المحرر الأجدر للعقل الإنساني من الخرافة وإنقاذه من سلطة الخرافة وتسلط المتكسبين من الخرافة وإيقاف ترويجهم لها. خطورة الخرافة ليست فقط بأن جنيا يدخل هنا أو عفريتا يخرج هناك، أو أن صاحب قدرات خارقة يستطيع ضر هذا بنظرة ساحرة تلخبط كل كيانه ومستقبله ولا من مشعوذ يعقد لهذا ليضره أو لذاك لينفعه؛ وإنما بكونها تؤسس وتثبت لذهنية مأزومة يحركها الخوف ويعبث بها ويسلط عليها خيالا شاطحا مريضا يعبث بحاضرها ويربك مستقبلها.
    لو علمت المجتمعات بمدى خطورة الخرافة عليها لكافحتها بكل ما أوتيت من قوة؛ حيث هي أخطر عليها من المخدرات وانتشار السلاح غير المرخص به. فسلامة الإنسان من سلامة عقله؛ كما أن سلامة المجتمعات من سلامة ثقافتها. وعلى علمائها الطبيعيين ومفكريها وعلماء دينها العقلانيين أخذ زمام المبادرة في مكافحة الخرافة والتي تمثل سلاح دمار شامل للعقول والتي بها تدار المجتمعات.
    عبدالرحمن الوابلي

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 1:47 am