التميز الإيجابي سمة يطلبها كل مجتمع، والأصل أن التميز هو الظهور بمظهر يختلف عن الآخر. فالمجتمعات ذات التميز الإيجابي بالاختراعات، أو بالتنظيمات القوية، أو بصيانة حقوق الأفراد، تفاخر بموقعها من الحضارة الإنسانية. كما أن هناك مجتمعات تتميز بالانتصارات الرياضية أو بالإبداعات الفنية أو غيرها وتنال شرف التميز. وهذه التميزات لا تأتي إلا لمجتمع هيأ الفرص بالتساوي بين أفراده، ودعا الجميع ليكونوا جزءا من البناء. من هنا فالإشادة بالمجتمعات تأتي وفق ما تسهم به حضاريا وإنسانيا.
غير أن هناك أمورا تحول دون الظهور بالمظهر الإيجابي، فيتحول التميز من الإيجاب للسلب. فهي صفة لا تقرها المجتمعات ولا تتباهي بها. لكنها تقع فيها عنوة. ومجتمعنا ليس مختلفا فيما يتميز به عن غيره. ولا شك أن في مجتمعنا من الظواهر الإيجابية ما يميزنا، ولعل من أبرزها الترابط الأسري ورعاية الوالدين في كبرهما. غير أن في مجتمعنا من الظواهر السلبية التي لا يمكن أن نغض الطرف عنها، ولعل من أبرزها دعوى الخصوصية التي نرددها عند محاولة المجتمع أن يخطو خطوة للأمام، أو أن يخطو خطوة في شأن الإصلاح الاجتماعي، أو عند التنصل من فعل مرفوض وقع فيه بعض أفراد المجتمع بداعي أن هذا الفعل خارج عن خصوصيتنا الاجتماعية. إن نزعة التباهي بالخصوصية هو المقلق في الأمر، فالإصرار على وضعها في مقدمة خطابنا الإعلامي كرس هذه النزعة الفوقية التي لا ترى الأخطاء ولا تحاسب عليها.
ظلت الكلمة (الخصوصية) غامضة ومستعصية على الفهم لأنها وضعت في سياق دفاعي في الغالب. فرفض التطور يبرر دائما بعد ملاءمة خصوصية المجتمع. ورفض فعل شيوع المخدرات يبرر بأنها غريبة على مجتمعنا، مع أن إحصاءات المضبوطات من المخدرات ذات أرقام خيالية، لكن مراعاة الخصوصية تجعلنا نحجم عن نشر إحصاءات سنوية تظهر عدد متعاطيي المخدرات وتأثيرهم السلبي في المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
إذا كانت الخصوصية ذات نزعة دفاعية ترفض وتبرر، فإنها نزعة خطيرة لا يمكن معها إصلاح المجتمع. نحتاج إلى أن نفهم الخصوصية في سياقها الإنساني لا الشكل العنصري لها الذي يوحي بأننا مجتمع الفضيلة المطلقة، وأن غيرنا أقل منا في مختلف شؤون الحياة. إن تزكية المجتمع بدعوى الخصوصية تعني غض الطرف عن الأخطاء، وتغليب قناعات فئات معينة على المصلحة العليا للمجتمع في كثير من القضايا. فعلى سبيل المثال، هناك موضوع تغيير إجازة يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت، وهو موضوع معطل لأن هناك من يراه انتهاكا للخصوصية الاجتماعية. ولم يستطع أصحاب الممانعة ومدعو الخصوصية أن يعطوا دليلا دينيا واحدا على ممانعتهم. فأمر الخصوصية هنا معطل للتطوير، ومواكبة العالم وخاصة في الناحية الاقتصادية التي هي المحرك الأساسي للتنمية الاجتماعية.
وتاريخيا يمكن فهم تعطيل حركة المجتمع في ضوء هذه النزعة العنصرية والفهم الضيق للحياة. فالخصوصية ليست مجرد كلمة، بل هي سياق من القناعات الاجتماعية التي غذاها بعض رموز التيار الديني من خلال فهم مؤدلج، وهو ما دعا الدولة إلى تجاوز تبعات هذه الخصوصية المعطلة للتنمية. فأدخلت التلفزيون والإذاعة وبعدها الانترنت وغيرها من وسائل التنمية التي ظلت لحين مناط جدل اجتماعي دائم. وقد يقبل المرء هذا الجدل لو أن الأمر في سياق مؤسسات مجتمع مدني تحكمه المساواة بين الفئات الاجتماعية، وينتج عنه حوار ومراجعة، هنا فقط يصبح أمر الجدل محمودا. غير أن المشكلة دائما أن الرأي في أي أمر جديد مرده لفئة تملك المنبر وتمارس الضغط مستغلة نوازع العاطفة عند العامة لتغليب رأيها..
إن لم تكن الخصوصية سمة افتخار وتنافس في الإنجاز والعطاء، وتقديم المجتمع بصفة دالة على مكوناته الدينية والحضارية، فهي تشكل عائقا يجب تجاوزها. فطالما أن تحديث المجتمع يتطلب المواكبة للحياة العصرية لأسباب اقتصادية وإنسانية فلا يجب أن نزايد على أحد وأن نقبل أننا جزء من عالم كبير يعيش عصره بوعي اللحظة أكثر من تلبس صيغ الماضي في كل حركاته وسكناته.
حسن النعمي
نقلآ عن جريدة عكاظ
غير أن هناك أمورا تحول دون الظهور بالمظهر الإيجابي، فيتحول التميز من الإيجاب للسلب. فهي صفة لا تقرها المجتمعات ولا تتباهي بها. لكنها تقع فيها عنوة. ومجتمعنا ليس مختلفا فيما يتميز به عن غيره. ولا شك أن في مجتمعنا من الظواهر الإيجابية ما يميزنا، ولعل من أبرزها الترابط الأسري ورعاية الوالدين في كبرهما. غير أن في مجتمعنا من الظواهر السلبية التي لا يمكن أن نغض الطرف عنها، ولعل من أبرزها دعوى الخصوصية التي نرددها عند محاولة المجتمع أن يخطو خطوة للأمام، أو أن يخطو خطوة في شأن الإصلاح الاجتماعي، أو عند التنصل من فعل مرفوض وقع فيه بعض أفراد المجتمع بداعي أن هذا الفعل خارج عن خصوصيتنا الاجتماعية. إن نزعة التباهي بالخصوصية هو المقلق في الأمر، فالإصرار على وضعها في مقدمة خطابنا الإعلامي كرس هذه النزعة الفوقية التي لا ترى الأخطاء ولا تحاسب عليها.
ظلت الكلمة (الخصوصية) غامضة ومستعصية على الفهم لأنها وضعت في سياق دفاعي في الغالب. فرفض التطور يبرر دائما بعد ملاءمة خصوصية المجتمع. ورفض فعل شيوع المخدرات يبرر بأنها غريبة على مجتمعنا، مع أن إحصاءات المضبوطات من المخدرات ذات أرقام خيالية، لكن مراعاة الخصوصية تجعلنا نحجم عن نشر إحصاءات سنوية تظهر عدد متعاطيي المخدرات وتأثيرهم السلبي في المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
إذا كانت الخصوصية ذات نزعة دفاعية ترفض وتبرر، فإنها نزعة خطيرة لا يمكن معها إصلاح المجتمع. نحتاج إلى أن نفهم الخصوصية في سياقها الإنساني لا الشكل العنصري لها الذي يوحي بأننا مجتمع الفضيلة المطلقة، وأن غيرنا أقل منا في مختلف شؤون الحياة. إن تزكية المجتمع بدعوى الخصوصية تعني غض الطرف عن الأخطاء، وتغليب قناعات فئات معينة على المصلحة العليا للمجتمع في كثير من القضايا. فعلى سبيل المثال، هناك موضوع تغيير إجازة يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت، وهو موضوع معطل لأن هناك من يراه انتهاكا للخصوصية الاجتماعية. ولم يستطع أصحاب الممانعة ومدعو الخصوصية أن يعطوا دليلا دينيا واحدا على ممانعتهم. فأمر الخصوصية هنا معطل للتطوير، ومواكبة العالم وخاصة في الناحية الاقتصادية التي هي المحرك الأساسي للتنمية الاجتماعية.
وتاريخيا يمكن فهم تعطيل حركة المجتمع في ضوء هذه النزعة العنصرية والفهم الضيق للحياة. فالخصوصية ليست مجرد كلمة، بل هي سياق من القناعات الاجتماعية التي غذاها بعض رموز التيار الديني من خلال فهم مؤدلج، وهو ما دعا الدولة إلى تجاوز تبعات هذه الخصوصية المعطلة للتنمية. فأدخلت التلفزيون والإذاعة وبعدها الانترنت وغيرها من وسائل التنمية التي ظلت لحين مناط جدل اجتماعي دائم. وقد يقبل المرء هذا الجدل لو أن الأمر في سياق مؤسسات مجتمع مدني تحكمه المساواة بين الفئات الاجتماعية، وينتج عنه حوار ومراجعة، هنا فقط يصبح أمر الجدل محمودا. غير أن المشكلة دائما أن الرأي في أي أمر جديد مرده لفئة تملك المنبر وتمارس الضغط مستغلة نوازع العاطفة عند العامة لتغليب رأيها..
إن لم تكن الخصوصية سمة افتخار وتنافس في الإنجاز والعطاء، وتقديم المجتمع بصفة دالة على مكوناته الدينية والحضارية، فهي تشكل عائقا يجب تجاوزها. فطالما أن تحديث المجتمع يتطلب المواكبة للحياة العصرية لأسباب اقتصادية وإنسانية فلا يجب أن نزايد على أحد وأن نقبل أننا جزء من عالم كبير يعيش عصره بوعي اللحظة أكثر من تلبس صيغ الماضي في كل حركاته وسكناته.
حسن النعمي
نقلآ عن جريدة عكاظ