منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

منتدى مدرسه الحبجيه المتوسطه في منطقة جازان ويتضمن المنتدى نتائج الطلاب واخبار المدرسه


    لعلّ له عذراً وأنت تلوم

    ساعد وطني
    ساعد وطني


    المساهمات : 309
    تاريخ التسجيل : 29/10/2012

    لعلّ له عذراً وأنت تلوم Empty لعلّ له عذراً وأنت تلوم

    مُساهمة  ساعد وطني الجمعة مارس 29, 2013 5:09 pm

    عبدالله الجعيثن

    كان الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - عبقرياً شديد الذكاء قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أرَ عبقرياً يَفءري كَفَرءيه"..

    وكان رضي الله عنه - شديد المعرفة بالناس: قد ساسهم وخبرهم وتقلب معهم وعرف نفسياتهم وطباعهم..

    وكان له (حِكَم) قليلة نادرة متناثرة في كتب الأدب والتاريخ، ولكنه رضي الله عنه كان إذا أطلق الحكمة أطلقها عن تجربة وخبرة وذكاء ومعرفة، فهي حكمة تنفع الناس وتنبض بالحياة لأنها لم تصدر من بُرج عاجي ولم تخرج عن تأمل بارد وإنما خرجت في حرارة التجربة التي صهرتها فصارت كالحقيقة التي توصف بأنها صُلبة ثابتة..

    ومن حِكَم الفاروق التي حفظها التاريخ قوله: "أعقل الناس أعذرهم للناس".

    وهي حكمة صادقة ثابتة تستطيع دون عناء أن تفرق بها بين العقلاء والحمقى، فالعاقل يعذر الناس لأنه يعرف طبائعهم ويعرف طبيعته هو أيضاً، وهو يعلم أن البشر طبيعتهم الخطأ "كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون" كما ورد في الحديث الشريف، فإذا كان الناس يخطئون في حق ربهم عزَّ وجلّ وله المثل الأعلى أفنستغرب - أنا وأنت - أن يخطئوا علينا؟!

    المؤثرات المختلفة

    والعاقل يعلم أن هناك مؤثرات خارجية تؤثر على أفضل الناس وتجعله يخطئ في بعض الأحيان..

    وهناك أيضاً مؤثرات داخلية تفعل فعلها في مزاج الطرف الآخر وطباعه وأخلاقه وتصرفاته، وكلنا نعلم تأثير الصحة على المزاج والأخلاق، فوجود ألم بالسن أو غير السن يجعل الإنسان مكفهر الوجه متوتر الأعصاب لا يقبل أي نقاش، وإذا كنا نعلم تأثير الصحة والمرض على مزاج الإنسان فإننا لا نعلم الكثير عن أمراض الإنسان والمؤثرات الصحية الداخلية التي قد تجعل تعامله سيئاً ومزاجه أسود وأعصابه متوترة، فالأمراض النفسية لا حصر لها وليس من الضروري أن تصيب الآخر بشكل حاد لنعرف أنه مريض ونعذره فقد تصيبه بشكل خفيف لا نحس لا نحن ولا هو به ولكنها تؤثر تأثيراً شديداً على مزاجه وتعامله كالاكتئاب الخفيف والهوس الخفي (وهو يصيب النساء أكثر من الرجال ويتصف المصاب به بنوبات متعاقبة من الفرح والحزن بلا سبب وقد يترتب عليه تصرفات سفيهة جداً ولكنها مرضية يعرفها الأطباء) كذلك فإن في جسم الإنسان العشرات من الغدد التي تفرز هرمونات مختلفة أي زيادة أو نقص فيها كفيلة بتغيير مزاج الإنسان والتأثير على سلوكه وتعامله وأخلاقه، وكذلك التبدلات الأخرى في الجسم فتصلب شرايين المخ عند الرجل أو المرأة - وهو يحدث عند الرجال أكثر - يجعل الرجل جامداً معانداً كأنه بغل قد أثبت قدميه على الصخر فلا يتزحزح خطوة ويجعله دكتاتوراً على أسرته لا يريد لأحد أن يخرج عن طوعه قيد أنملة أو يناقشه في أوامره بكلمة ويصبح بتعبير الزوجة "شخصاً لا يُطاق" و"رجلاً لا يُعاشر" ويشاطرها الأولاد هذا الرأي وقد ضيَّق عليهم الخناق في كل مجالات الحياة، وتعجب الزوجة من هذا التبدل الذي أصابه فهو من سنين قريبة لم يكن هكذا، كان واقعياً ومتفهماً ولكنه تبدَّل فجأة..

    وهنا لا الزوجة ولا الأولاد ولا رب الأسرة المصاب نفسه يعلمون السبب، فأما رب الأسرة فهو مقتنع بما يفعل، وأما الزوجة والأولاد فيحكمون على ظاهر ما يرون ويعتبرون أن رب الأسرة هذا أصبح سيئاً جداً ومخيفاً وربما نسيت المرأة ماضيه - كعادتها وخاصة في قمة غضبها - فاعتبرت أنه كان سيئاً مذ خلقه الله، ولكنها صبرت عليه لأنها امرأة فاضلة ولكن للصبر حدود كما ستقول.

    يقول البرفيسور (ه. م. مارفن):

    "أوضح الدكتور "هانز زنسر" في كتاب معروف له كيف أن التاريخ قد تغيَّر بسبب أمراض نقلتها الفئران والقمل ونحوهما من الحشرات إلى الجنود المحاربة.

    وبالمثل يمكن استخلاص دلائل تبين أن أمما قد تدهورت ومحاولات لنشر السلام قد أخفقت، لأن شرايين المخ عند زعماء وقادة فيها قد تصلبت..

    وأكثر من مؤسسة أفلست بسبب التهابات في شرايين المخ أصابت المسئولين فيها، ولنفس السبب نجد أمثلة لا حصر لها من سوء الإدارة في جميع أنواع المعاهد والمؤسسات - عامة وخاصة، كبيرة وصغيرة - ولا يخلو من هذا مجتمع الأسرة وما ينتابه من خلافات وتصرفات ضارة ومُحطِّمة.. ذلك لأنه يتمشى مع تصلب الشرايين - وخاصة في المخ - جمود في الفكر، فالأوعية الدموية إذ تفقد مرونتها يفقد العقل مرونته، وتيار الفكر يعاق، ويغدو تصلب الشرايين عدواً للتسامح وعدواً للتقدم وحافزاً للخطأ.. فرب البيت الدكتاتور، والرئيس الظالم المستبد، هم في الغالب ممن يشكون من تصلب الشرايين. والأسرة، والأفراد، والمجتمع نفسه، يكونون هم الضحايا لسوء تصرف أولئك المصابين بتصلب الشرايين..

    ماذا كانت تغدو عصبة الأمم لو أن "ودرو ولسن" الذي تصرف فيما بين 1918- 1920م كانت له نفس الشرايين السليمة التي كانت للطالب السياسي المثالي "ودرو" الذي فاز برئاسة الولايات المتحدة في عام 1912م؟.. وهل كان من الممكن تجنُّب الحرب العالمية الأولى بواسطة حكام لم يتعرضوا، كما تعرض الامبراطور العجوز "فرانز جوزيف" للرواسب التدريجية للكولسترول؟ وماذا كان يحدث في مؤتمر "يالطا" لو أن "روزفلت" كان في ريعان شبابه؟.. إن أمثلة كثيرة يمكن ذكرها، وأمثلة أخرى لا تفوت كل عقل ناضج.." أ.ه كتاب (أنت وقلبك) ص 169-

    170.والذي نريد قوله ان هناك كثيراً من العلل الصحية - جسدية ونفسية - قد تجعل صاحبها يخطئ في تعامله، أو تسوء أخلاقه، أو تثور علينا أعصابه بلا سبب، ونحو هذا، ويحسن بنا أن نلتمس له العذر، وأن نكون على وعي بالأمراض التي تصيب الإنسان وتعكر المزاج وتغير التصرفات لكي نعالجها باكراً سواء أكانت فينا أم في أحبابنا، ولكي نعزو كثيراً من الأخطاء والتبدلات إلى أسبابها الحقيقية الخارجية عنا وعن قدرة أصحابها بدل أن نعزوها إلى علاقتهم بنا ونعتبرها موقفاً منهم ازاءنا فتسوء العلاقات أكثر، وإن كثيراً من العلاقات قد انقطعت وكثيراً من الزيجات قد تحطمت لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين ولكنها لم تجد الوعي والفهم المناسب، وقد كان بالإمكان علاجها بعلاج أسبابها..

    على أن الأسباب الصحية، نفسية كانت أم جسدية، ليست هي وحدها التي تغير تعامل الإنسان وتؤثر على مزاجه وأعصابه وموقفه منا وموقفنا منه، هناك أسباب أخرى لا تحصى لذلك ولكن أصحابها يكتمونها عن الطرف الآخر كسوء الحالة المادية أو وجود مشكلات في العائلة أو في العمل وكثيرون يكتمون مشكلاتهم ولكنها تطفح على تصرفاتهم ويبدو للآخرين من المحتكين بهم أنهم أصبحوا (ثقلاء دم) بلا مبرر، أو شديدي الأخطاء بلا سبب، أو متوتري الأعصاب بدون داع، ونحو هذا..

    والمصارحة وشرح أسباب القصور مهمة فعلاً، ولكن هناك أسباباً لا يستطيع أصحابها أن يشرحوها وهي مع ذلك قد توقعهم في أخطاء أو إحراج مع الآخرين، وما لم يكن الخطأ مقصوداً بشكل واضح وعن نية سيئة، فإنه من الخير للإنسان ولمخالطيه أن يلتمس للآخرين الأعذار التي قد تكون ظاهرة أو خافية.

    (العتاب) و(الاعتذار)

    يحسن بالإنسان أن يعاتب بدل أن يحقد، وأن يكون العتاب مع شخص يستحق وبأسلوب ودود، فإن العتاب يوضح الأمور ويغسل القلوب ويدل المعاتب على أنه عزيز ما لم يكن أحمق فإن كان أحمق فإن فراقه عيد.

    وإذا كان المانع من العتاب هو السماحة فإن هذا شيء جميل، أما إذا كان تصرف الطرف الآخر قد يترك ندبة في القلب أو حقداً في العقل أو يجعلنا نتغير عليه فيجب معاتبته ومكاشفته، فإن هذا أفضل كثيراً من الحقد وفيه إنصاف للطرف الآخر لأننا بهذا نتيح له توضيح موقفه والدفاع عن نفسه، فإذا كان "الغائب حجته معه" كما يقول المثل، فإن "المخطئ عذره معه" ولو اعتذر إليك بعد العتاب فإن هذا كاف أيضاً لأن كل الناس يخطئون والذنب كفارته الاعتذار، والله عزَّ وجلّ يقبل توبة من تاب، والشاعر يقول:

    إقبل معاذير من يأتيك معتذرا

    إنء بَرَّ عندك فيما قال أو فجرا

    لقد أطاعك من يرضيك ظاهرُهُ

    وقد أجلَّكَ من يعطيك مُسءتَترا

    والاعتذار يحسن أن يكون قبل العتاب، ولكنه يُقبل حتى بعد العتاب، فإن المخطئ قد لا يشعر بحجم ذنبه كما يشعر به الذي وقع عليه، والناس يختلفون كثيراً في حساسيتهم نحو الأخطاء، ولكن من المؤكد أن الحساس جداً من أخطاء الآخرين عليه هو شخص متعب، وقد يفهم خطأ، وسوء الفهم كثيراً ما يخرب الصداقات والعلاقات، وبعض الناس لديه موهبة في التحليل وفي التماس أخطاء الآخرين، فأي كلمة تُقال قد يجد فيها رمزاً يكون هو المقصود به لإيذائه مع أن قائلها لم يقصد ذلك بأي شكل، وقد يؤول هذه الكلمات والمواقف على "كيفه" وقديماً قيل:

    ومن يك ذا فمٍ مُر مريض

    يجد مُرَّا به الماءَ الزلالا

    كما أن الذي اعتاد على سوء الفعل بأن ينال من الناس بالرمز والغمز والتلميح هو الذي يقع في شر أعماله فيبحث في المواقف والكلمات عما يسيء إليه، مع أن الآخرين لم يقصدوا ذلك ولم يفكروا فيه، ولكن "من بحث عن شيء وجده" والمتنبي يقول:

    اذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

    وصدَّقَ ما يعتاده من توهُّم

    وعادى محبيه بقول عداتِهِ

    وأصبح في ليل من الشكِّ مظلم

    @@@

    والاستكبار هو الذي يمنع الإنسان من العتاب في أكثر الأحيان، والاستكبار مذموم على كل حال، كما أنه يمنع أيضاً من الاعتذار للآخرين إذا أخطأ الإنسان في حقهم، وتلك نقيصة، فمن الشجاعة أن يعترف الإنسان بخطئه وأن يعتذر عنه، إن هذا يريح ضميره ويريح الطرف الآخر ويجعل سماء العلاقات صافية، قال الشاعر القروي:

    يُعيدُ التماسُ العذر للنفس روحَها

    ويخمد جمر الشر قبل شُبُوبِهِ

    عجبتُ لحُر يستحي باعتذاره

    وأولى به أن يستحي بذنوبه

    ويقول أيضاً:

    رُبَّ ذنب محوتُهُ باعتذاري

    وحملتُ الورى على إكباري

    (التسامح والتغابي)

    يقول الشاعر:

    إذا أدمتء قوارصكمء فؤادي

    صبرتُ على أذاكم وانطويتُ

    وجئت إليكم طَلءقَ المحَيَّا

    كأنِّي ما سمعتُ ولا رأيتُ

    ونحن لا ندعو إلى هذه الحالة الحادة أبداً، فإن السعادة الفردية أهم من نجاح التعامل الاجتماعي في رأينا، ولا بد من وجود توازن بين الأمرين، فإذا بلغ الإنسان حداً يكتم فيه أخطاء الآخرين في قلبه ويتظاهر أمامهم بالود والابتسام وهو ينطوي على ما انطوى عليه من آلام وأحزان، كما يوحي به قول الشاعر، فإن هذا يؤدي إلى المرض "وأقتل الحزن دفينه"..

    كما أننا لا ندعو إلى العتاب في كل شاردة وواردة، لا بد من التسامح وأن نضع أنفسنا موضع الطرف الآخر قبل أن ندينه ونغضب عليه، ولا بد أن نعرف أننا نخطئ وأن كثيراً من أخطائنا وعيوبنا لا ندري عنها ولا نحس بها ولكنها تقع على الآخرين كالصواعق في بعض الأحيان، غير أنهم يحتملون ويتسامحون، فإذا استحضرنا ذلك - وهو حقيقي - سامحنا وأرحنا واسترحنا فإنه لا سعادة بلا سماحة، ولا علاقة ناجحة بلا سماحة ولا محبة دائمة بلا سماحة سواء أكان ذلك بين الزوجين أو الأصدقاء أو الزملاء..

    والتغابي يقتضي أن نتجاهل بعض الأخطاء والتصرفات والكلمات ونتظاهر أننا لم نشعر بها..

    قال جرير:

    ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومه

    لكنَّ سيد قومه المتغابي

    وقال الاخر:

    وقد يتغابى المرء من عظم ماله

    ومن تحت ثوبيه المغيرة أو عمرو

    والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص من دهاة العرب، ولكن الدهاة - في كل زمان ومكان - هم الذين يتغابون إذا كان الغباء أفضل.

    جريدة الرياض

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 1:28 am