تتمتع بلادنا الغالية بنعم كثيرة جليلة، يأتي في مقدمتها نعمة الأمن والأمان، اللهم أدمها واحفظها من كل حاقد وحاسد، فهذه النعمة تعد من أجل النعم قيمة في حياة الإنسان خاصة، والحياة الاجتماعية في عموم شؤونها ومجالاتها، فالأمن المجتمعي، والأمان النفسي، لا يعادلهما شيء مهما كانت قيمته، فلا يحلو أكل، ولا يهنأ نوم، ولا يرتاح بال، طالما أن هاجس الخوف يسيطر على الذهن، ويخيم على الأجواء، فنذر الخوف وبواعثه المتمثلة في الترويع والسطو والقتل والسلب والنهب والاعتداء على الأنفس والأموال والأعراض، كل هذه وغيرها من صور الخوف والتخويف تعكر صفو الحياة، وتحيل كل صور السعادة المادية والمعنوية إلى جحيم، تظلم الدنيا بعد إشراقتها، وتخبو المباهج في الأعين بعد بريقها، وتنقلب الحال رأساً على عقب، حال تتوتر فيها النفوس من مجرد همسة هامس، أو دبة ماش، كم هي الحياة سهلة التحول والانقلاب، والتغير والتبدل، بين عشية وضحاها تنقلب من حال إلى أخرى، فمن حال في منتهى البهاء والسعادة، إلى حال في غاية البؤس والشقاء، إن الحياة مهما كانت مباهجها، ومهما دانت وزانت، إلا أنه لا يمكن أن يغر بطيب العيش فيها إنسان، لأن التحولات فيها من حال إلى أخرى أسرع مما يظن، لكنها تحولات لا تتم هكذا فجأة، بل تتم وفق مقدمات وعلامات ونذر، والعاقل من يحسن استيعابها والتعامل معها بعقل وحكمة.
إن التحول والتبدل في الحياة يتم وفق نواميس وقوانين ومعطيات واضحة، يدركها كل عاقل فطن واع، كل معتبر متدبر، العقلاء وحدهم من يستطيع قراءة المعطيات ودلالاتها، هم من يمتلك القدرة على تحليل المقدمات والمواقف والمؤشرات فيستنتجون مآلاتها، هم من يقرأ الأحداث في الوقت المناسب، يحللونها بصدق ووعي، ويتنبؤون بما قد يتمخض عنها من نواتج، ومن ثم يضعون الحلول العاقلة التي تجنبهم الكوارث والقلاقل والفتن.
إن العقلاء الحكماء خير من يعرف مؤشرات الفتن، ويعلم متى تولد؟ هم الأعرف بأسبابها وما تفضي إليها، فمسوغات حصول الفتن والمقدمات التي تفضي إليها واضحة جلية، لا يخطئها إلا متغافل متهاون، فالفتن تحل عندما يستهان بدين المجتمع وأصوله، بإيمانياته وشرائعه، وعندما يتجرأ البعض ويصادم ويستهزأ بالثوابت ويستخف بالشعائر، ويصر علانية على زعزعة كل ما له علاقة بالبعد الروحي والعقدي، تحل الفتن عندما يستخف بالقيم المجتمعية ويقفز عليها، لأن الدين والقيم بمثابة العمود الفقري لاستقامة الحياة وتوازنها، فلن يحصل توازن واستقامة طالما أن العمود يتعرض للطعن والتشويه.
تحل الفتن عندما تهان كرامة الإنسان وتهدر، وتستباح حقوقه وتضيع، وتصادر حريته وتكبت، يرى الظلم، ولا يقدر على محاسبة الظالم، يرى الاستئثار، ولا يقدر على ردع الباغي، يرى البعض ينام هانئاً مرتاحاً، وهو يكابد حسراته وآلامه، يرى قلة جيوبها مليئة منتفخة، وجيبه والكثيرين مثله خاوية خالية، يرى الأيدي الطويلة تمتد بكل جرأة وقدرة، ويده قصيرة عاجزة، تحل الفتن عندما يعبث بمقدرات الناس وأرزاقهم، وعندما تغمض العيون وتصم الآذان عن مظاهر الفساد المادية والمعنوية.
تعد الفتن من أخطر الشرور وأكثرها فتكاً في زعزعة أمن المجتمعات واستقرارها، إنها مهلكة مدمرة، فنعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } (191) سورة البقرة، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (217) سورة البقرة، الفتن أشد من القتل وأكبر، لأنها عندما تحل في الديار والمجتمعات، وتطل برأسها الكريهة بين الأفراد والجماعات، تحل الكوارث والدمار، وتتفشى الفرقة والتناحر والتدابر، ويشتعل أوار المكائد والدسائس ويشتد، وتضطرب النفوس وتتعكر الأمزجة، ويبدأ كل يحتاط من الآخر ويحذر، بل يتربص به ويتحين الفرصة لإلحاق الأذى به والضرر، عندئذ قل على المجتمع السلام لأنه دخل في أنفاق مظلمة من الشحناء والبغضاء والكراهية، وتشرذم إلى فرق وأحزاب، كل منهم يدعي أنه على الحق، وأنه الأولى بالسمع والطاعة، عندئذ ينشغل الناس في البحث عن إثبات الذات، وبكل الوسائل الممكنة، بغض النظر عن كونها مشروعة أم لا، المهم أن يتمكن من المواجهة، ويثبت في التصدي، من هنا يضرب الخراب أطنابه، ويسيطر الخوف على المشاعر والوجدان، فيهلك الحرث والنسل، وتتعطل الحياة وتنكمش بل وترتد على أعقابها منكسرة بائسة.
حفظ الله مملكتنا الغالية، ورد كيد كل حاقد في نحره وأبقاها منارة للأمن والأمان.
د. عبدالله المعيلي
إن التحول والتبدل في الحياة يتم وفق نواميس وقوانين ومعطيات واضحة، يدركها كل عاقل فطن واع، كل معتبر متدبر، العقلاء وحدهم من يستطيع قراءة المعطيات ودلالاتها، هم من يمتلك القدرة على تحليل المقدمات والمواقف والمؤشرات فيستنتجون مآلاتها، هم من يقرأ الأحداث في الوقت المناسب، يحللونها بصدق ووعي، ويتنبؤون بما قد يتمخض عنها من نواتج، ومن ثم يضعون الحلول العاقلة التي تجنبهم الكوارث والقلاقل والفتن.
إن العقلاء الحكماء خير من يعرف مؤشرات الفتن، ويعلم متى تولد؟ هم الأعرف بأسبابها وما تفضي إليها، فمسوغات حصول الفتن والمقدمات التي تفضي إليها واضحة جلية، لا يخطئها إلا متغافل متهاون، فالفتن تحل عندما يستهان بدين المجتمع وأصوله، بإيمانياته وشرائعه، وعندما يتجرأ البعض ويصادم ويستهزأ بالثوابت ويستخف بالشعائر، ويصر علانية على زعزعة كل ما له علاقة بالبعد الروحي والعقدي، تحل الفتن عندما يستخف بالقيم المجتمعية ويقفز عليها، لأن الدين والقيم بمثابة العمود الفقري لاستقامة الحياة وتوازنها، فلن يحصل توازن واستقامة طالما أن العمود يتعرض للطعن والتشويه.
تحل الفتن عندما تهان كرامة الإنسان وتهدر، وتستباح حقوقه وتضيع، وتصادر حريته وتكبت، يرى الظلم، ولا يقدر على محاسبة الظالم، يرى الاستئثار، ولا يقدر على ردع الباغي، يرى البعض ينام هانئاً مرتاحاً، وهو يكابد حسراته وآلامه، يرى قلة جيوبها مليئة منتفخة، وجيبه والكثيرين مثله خاوية خالية، يرى الأيدي الطويلة تمتد بكل جرأة وقدرة، ويده قصيرة عاجزة، تحل الفتن عندما يعبث بمقدرات الناس وأرزاقهم، وعندما تغمض العيون وتصم الآذان عن مظاهر الفساد المادية والمعنوية.
تعد الفتن من أخطر الشرور وأكثرها فتكاً في زعزعة أمن المجتمعات واستقرارها، إنها مهلكة مدمرة، فنعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } (191) سورة البقرة، {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (217) سورة البقرة، الفتن أشد من القتل وأكبر، لأنها عندما تحل في الديار والمجتمعات، وتطل برأسها الكريهة بين الأفراد والجماعات، تحل الكوارث والدمار، وتتفشى الفرقة والتناحر والتدابر، ويشتعل أوار المكائد والدسائس ويشتد، وتضطرب النفوس وتتعكر الأمزجة، ويبدأ كل يحتاط من الآخر ويحذر، بل يتربص به ويتحين الفرصة لإلحاق الأذى به والضرر، عندئذ قل على المجتمع السلام لأنه دخل في أنفاق مظلمة من الشحناء والبغضاء والكراهية، وتشرذم إلى فرق وأحزاب، كل منهم يدعي أنه على الحق، وأنه الأولى بالسمع والطاعة، عندئذ ينشغل الناس في البحث عن إثبات الذات، وبكل الوسائل الممكنة، بغض النظر عن كونها مشروعة أم لا، المهم أن يتمكن من المواجهة، ويثبت في التصدي، من هنا يضرب الخراب أطنابه، ويسيطر الخوف على المشاعر والوجدان، فيهلك الحرث والنسل، وتتعطل الحياة وتنكمش بل وترتد على أعقابها منكسرة بائسة.
حفظ الله مملكتنا الغالية، ورد كيد كل حاقد في نحره وأبقاها منارة للأمن والأمان.
د. عبدالله المعيلي