منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

منتدى مدرسه الحبجيه المتوسطه في منطقة جازان ويتضمن المنتدى نتائج الطلاب واخبار المدرسه


    الحرية الإعلامية بين التكميم والانفلات!

    ساعد وطني
    ساعد وطني


    المساهمات : 309
    تاريخ التسجيل : 29/10/2012

    الحرية الإعلامية بين التكميم والانفلات! Empty الحرية الإعلامية بين التكميم والانفلات!

    مُساهمة  ساعد وطني السبت يناير 19, 2013 6:44 pm

    ما أجمل الوسطية في شؤون ديننا ودنيانا، وما أقبح التطرف في اليمين واليسار، ومن ذلك موضوع الحرية عمومًا وفي الشأن الإعلامي خصوصًا، فطرف يريد الانفلات بلا ضوابط ليعتدي على حقوق الخالق والمخلوق، وطرف يريد تكميم الأفواه ومنع المختلفين معه في الفكر والاجتهاد عن أن يبدوا آراءهم أو يقوموا بمناقشة آراء غيرهم. وهكذا هي حياتنا في صراع بين تيارين بأطيافهما مع أقلية عددهما، إلا أنهما البادية أصواتهما في الساحة أمام الناظرين والسامعين والقارئين، في حين أن الأغلبية لا تزال على صمتها، وفي مدرجات الفرجة مستمتعة بالرحلة بعد أن تركت الميدان لفريقي الملعب بلا معارضة أو حتى سؤال!. فالحرية كمبدأ تعتبر من المسلمات الشرعية التي وردت في الكتاب والسنة، وفي السيرة والتاريخ الإسلامي، ولكنها بضابطين رئيسيين؛ أحدهما ألا يعتدي على حدود الخالق بارتكاب ما حرمه الله، وثانيهما ألا يعتدي على حدود المخلوقين بارتكاب ما يمس بضروراتهم الخمس من دين ونفس وعرض ومال وعقل، وباستيفاء الأمرين تنطلق الحريات والحقوق بلا موانع دينية أو دنيوية. وعليه فلا يجوز أن يفرض على أحد اجتهاد فردي أو حتى جماعي، فيعد انتهاكًا للحرية الشخصية فضلًا عن الحقوق العامة للأمة، ما لم يكن قانونًا ملزمًا لمصلحة الجميع، وأما ترجيحات الأفراد والجماعات فليست ملزمة إلا لنفسها، ولا يجوز الافتئات على تشريع السماء، أو تقنين الأرض فيما هو دنيوي لا يعارض الشريعة، وإلزام الخلق به، وحين وقوعه فيعد حينئذ المنكر بنفسه والذي يجب إنكاره وعدم تركه. وإذا رأينا الإعلام اليوم بأنواعه المرئي والمسموع والمقروء؛ فيلحظ وجود من يتجاوز الحرية الإعلامية المشروعة بما يتضمن التعدي على حدود (دينية) أو (دنيوية)، و(عامة) أو (خاصة)، وفي مقابل هذا نرى وجود المخالفين لهذا التوجه والمنكرين له وقد مارسوا ما هو أسوأ منه ولكن عبر الفضائيات والإنترنت والاتصالات، وبالتالي فكلاهما على خطأ، بحيث كل طرف يوغل في الآخر، وربما الثاني أشد تجاوزًا من الأول؛ وذلك لعدم وجود المراقبة المؤسسية على مخرجاته، ففرق بين مقال ينشر في جريدة ورقية ولديها رقابات داخلية، وبين مشاركات منفلتة في يوتيوب وتويتر وفيسبوك، فضلًا عن الصحف الإلكترونية والمنتديات الحوارية والمدونات الشخصية، ولكن الفارق الغريب في هذا المشهد؛ خلو الساحة من (العلماء المرشدين) الذين يراقبون ويوجهون المجتمع باعتدال وتسامح وحسن نية وقصد متضمنًا حسن فهم وإدراك. في حين أننا نرى المؤسسات الدينية وقد امتلأت بالمراجع والرموز، فضلًا عن الجامعات التي تزخر بكوادر علمية أكاديمية قد طال صمتها مع أنها تملك أدوات الوصل والفصل، والتحرير والتأصيل، وإن كان هناك من يزعم عدم القدرة على النشر له، فنحن اليوم في زمن النت لا نقبل بمثل هذه المبررات التي تسوغ السلبية والهروب من المسؤولية، فهاهم المتمشيخون وقد تسابقوا على منابر الجمعة ومحاضرات المساجد، ولم يقصروا في بث المقاطع المرئية والمسموعة، وكتاباتهم الحادة المبعوثة عبر المجموعات البريدية والوسائل الإلكترونية. وهنا من حقنا بل واجبنا أن نتساءل عن السر وراء غياب المراقبين العقلاء من العلماء الحكماء الذين يرشدون المسيرة ويهذبون الشطط ويمسكون بشراع السفينة، لا أن يتركوها بيد غوغائية تفسد ولا تصلح، وتقامر برؤوس الشباب وأرواح الأشبال، مغتنمة كل فتنة لتنفخ في الكير، فتحرق ثيابها وتفسد من حولها. فالإسلام بريء من هؤلاء وأولئك، و(كل يدعي وصلًا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا)، فالحرية المنضبطة بنور الشريعة قد كفلت ما يحقق نمو العقل الذي هو مناط التكليف، وليس كحال اليوم حيث يحجر على حرية التفكير فضلًا عن التعبير ناهيك عن التنظير وبزعم مخالفته للشريعة، مع أنه ضيق واسعًا وحرم مباحًا ووقع فيما نهى عنه بمكابرة. وهكذا هو حالهم؛ فإذا جاء من يدعو إلى الحرية، فيقال له بأن الإسلام قد سبقك، فهم لا يبادرون، وإذا استجيب لهم هذا التمظهر المزعوم، ومارس البعض هذه الحرية ولو في العلوم الشرعية التي حفزت الاجتهاد فيها وفهم دلالاتها وتجديد مناطاتها لتحقيق معنى صلاحها للظروف الزمانية والمكانية؛ إذ بهم ينكصون على أعقابهم ويضيقون واسعًا، وقد جعلوا من عقولهم مصدر التشريع، ومن آرائهم حدود الشرع، فما أصبحت البيئة المحلية تسمح بما عده الأوائل حضارة فكرية ونموًا فقهيًا. وعليه فالحرية الإعلامية تعتبر من لوازم تحقيق مناطات الأصول والقواعد والمقاصد الشرعية، ولا حق لطرف يطالب بالانفلات أو يمارسه، ولا لطرف يطالب بالتكميم أو يمارسه، وإن كان الأول قد انحصر باطله على الفعل دون سواه، فإن الثاني أضل سبيلًا لأنه أضاف المشروعية المقدسة على باطله. وختامًا؛ هلا حررنا معنى ومبنى الانفلات اليساري بشهوته واليميني بهواه، ومنعنا التكميم من طرف يزعم مبرره مقاومة الرجعية ومن طرف يزعم مسوغه مقاومة التغريب، وغابت الحقيقة بين هذا وذاك، وكم نتج عنه من تجهيل للآخرين وتجفيف للعقول وتحجيم للهمم، وما واقعنا الفكري المتأزم إلا دليل على خطورة الواقع بلا تهوين ولا تهويل

    د. عيسى الغيث

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 1:38 am