منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى مدرسة الحبجيه المتوسطه

منتدى مدرسه الحبجيه المتوسطه في منطقة جازان ويتضمن المنتدى نتائج الطلاب واخبار المدرسه


    صفات المربي : دراسة تحليلية (2-2)

    ساعد وطني
    ساعد وطني


    المساهمات : 309
    تاريخ التسجيل : 29/10/2012

    صفات المربي : دراسة تحليلية (2-2) Empty صفات المربي : دراسة تحليلية (2-2)

    مُساهمة  ساعد وطني الأحد نوفمبر 18, 2012 11:37 pm

    في الحلقة الأولى تعرض الكاتب للعوامل المؤثرة على المتـربي من أسرة ومجتمع ومتعلقاتهما الاقتصادية والثقافية، ويرى أن تأثير ذلك كله على المتربــي تأثيرٌ عشوائي، ومن ثم يبقى دور المربي فعالاً وسط هذه العوامل إذا ما اتصف بمقومات أساسية قسمها الكاتب إلى: مقومات البدء والانطلاق، مقومات الإتقان، مقومات الاستمرار، وقد أفاض في الحلقة الأولى في معالجة المقوم الأول (البدء والانطلاق)، ويبسط القول مـن خلال هـذه الحلقة في المقومين الآخرين: (الإتقان والاستمرار).


    ثانياً: مقومات الإتقان:
    وهـي مجموعة القدرات النفسية والعملية الأساسية التي تساعد المربي - عند اكتسابها - على رفع مستوى الأداء التربوي.
    وهــذه القدرات المختارة هي قدرات جامعة للعديد من المهارات والأنماط السلوكية التربوية التي تـنـدرج تحتها وتشكل في مجموعها - وبتفاصيلها - الجهد التربوي للمربي في حالة الرشد.
    القدرة الأولى: فهم الشخصية وتحليلها:
    وما نحتاجه هنا مما يتعلق بهذه القدرة الإجابة عن سؤالين هامين:
    أ - لماذا (ومتى) نحتاج إلى فهم شخصية المتربي؟ (الدواعي).
    ب - كيف نفهم شخصية المتربي؟ (وسائل جمع المعلومات).
    أ - لماذا (ومتى) نحتاج إلى فهم شخصية المتربي؟ (الدواعي). وللإجابة نقول:
    1 - للانـتـقـاء: وهــذا أمر لا عوج فيه؛ فإن الطاقات محدودة، فمن ثَمَّ ينبغي اختيار من يصلح لإعطائه مزيداً مـــن الجهد والتركيز، وقد كان هذا ديدن سلفنا في اختيار تلاميذهم ومن يحيطون برعايتهم وعنايتهم. يقول الحافظ ابن جماعة: "كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم"(1).
    2 - لتحديد الميول والإمكـانات، ومن ثم ما يصلح له من العمل، والناس متفاوتون في ذلك تفاوتاً قدرياً من عند الله، وهـناك عناصر ثلاثة يتحدد على ضوئها ما يصلح له المتربي من العمل، فبالإضافة إلى الميول والإمـكـانـات هناك احتياجات العمل الدعوي؛ والذي يحدث في كثير من الأحيان أن مسار المتربي - فـي مـيـدان العمل الإسلامي - يتحدد وفق العنصر الأخير، والصحيح اعتبار الجميع.

    3 - لـتحـديـد مسـتـوى أمثل للتعامل يراعي النفسيات والمشاعر والفروق الفردية (القدرات العقلية):
    إن توحـيـد أسلوب التعامل مع كل الشخصيات أمر غير صواب؛ إذ إنه يفترِض التماثل في النفسيات والـعـقـــــول وهذا غير متحقق، بل النفس الواحدة متغيرة، كما أن العقول أيضاً متفاوتة، والمربي الـذي يـتـعـامـــل مع مجموعة من المتربين ينبغي عليه أن يراعي ذلك في تعامله معهم، وأول خطوة في هـذا الاتجاه: فهم هذه النفوس والعقول وتحليلها، ثم بعدها يحدد أسلوب التعامل مع كلٍّ.

    4 - لمعرفة التغير في مستوى المتربي التربوي وتقويمه من فترة لأخرى؛ وذلك للتأكد من أن الـعـمـل الـتـربـــوي يحقــق أهــدافه؛ على أن يتم ذلك وفق معايير موضوعية تقاس عليها المعلومات المتحصلة من تحليل شخصية المتربي ورصدها ومتابعة تطورها، مع ملاحظة عدم الاقتصار على جوانب محدودة مثل: الجانب العلمي، الجانب الفكري، والغفلة عن بقية الجوانب مثل: المستوى الإيماني، والأخلاقي، والحركي.
    ب - كيف نفهم شخصية المتربي؟ (وسائل جمع المعلومات):

    هناك وسائل كثيرة لذلك نذكر أهمها:
    1 - السؤال والتحري: لمن يعرفــه أو يعـلـم حـالــه؛ فذلك يوفر وقتاً وجهداً كبيرين على المربي؛ خاصة لو كان خلفاً لسلف له من المربين عملوا مع الأشخاص أنفسهم؛ فهنا يتحتم عليه سؤالهم وإلا فهي الفوضى.
    وكـان مــن علماء السلف من يتحرى عن تلامذته ليتحقق من حالهم؛ فعن معاوية بن عمرو بن المهلـب الأزدي أنه قال: كان زائدة لا يُحدِّث أحداً حتى يمتحنه؛ فإن كان غريباً قال له: من أيـــن أنت؟ فإن كان من أهل البلد قال: لا تعودن إلى هذا المجلس، فإن بلغه عنه خيراً أدناه وحدثه.

    2 - الكلام والـحــــوار: فاللسان يعبر عن صاحبه ويبين حاله، ومهما تحفظ الرجل أظهر لسانه حاله ولو بعد حـيــن؛ إذ اللسان يغرف من القلب، وما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على قسمات وجهه وفلتات لسانه؛ فهو بحق ترجمان العقل والنفس.
    وكان بعض الفلاسفة يـســأل تلامذتـه ويستنطقهم ويشجعهم على السؤال، فرأى يوماً أحد تلامذته صامتاً، فقال له: تكلم حتى أراك.

    3 - الاختبارات: وغالب استخدام هذا الأسلوب للتحقق من مستوى الجوانب المعلوماتية، ولكن يمكن تفعيله في جوانب أخرى عـمـلـيــة أو نفـسـيـة باستخدام صور متطورة منه مثل الاختبارات النفسية - وذلك حسب الظروف - التي من الـمـمـكـن إجراؤها في قوالب غير مباشرة: كالمسابقات، والمباريات الثقافية.
    ويرسِّخ ابن جمـاعـة أهمية الاختبار فيقول: "إن الشيخ ينبغي له إن جَهِل حال تلميذه أن يختبره بكتاب سـهـــل من الفن المطلوب، فإن رأى ذهنه قابلاً وفهمه جيداً نقله إلى كتاب يليق بذهنه وإلا تركه"(2).

    4 - المواقف المفتعلة ومعرفة رد الفعل: وقد يكون ذلك بتتبع ردود أفعاله في مواقف سابقة من النوعية التي تظهر مـكـنـونات النفس وجوانب القوة والضعف في الشخصية، وقد يكون أيضاً بمحاولة الافتعال لبعض المواقف التي تظهر هذه الخبايا.
    قال ابن الجوزي: "حدثنا محمد بن إسحاق قال: قال لقمان لابنه: يا بني! إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره"(3).
    5 - الاحتكاك والمعاشرة: وبهـمـا تتضح جوانب من الشخصية يصعب أن تتضح بغيرهما، ولتوضيح ذلك نضرب مثالاً: في كل خلاف بين زوجين لو سألت أحدهما لقال لك - غالباً -: إنه قد اكتشف في شريكه عـيـوبـاً لم يكن يعلمها من قبل، ولو علمها ما اقترن به، فلو قارنت بين ذلك وبين حالهما في بدايـــة الـــزواج لوجدت أنهما لم يتزوجا بداية إلا وقد اقتنع كل منهما بالآخر ورضي به بعد سؤال وتـمـحـيــص، فـمـــا الذي طرأ؟ إنها معرفة الاحتكاك والمعاشرة.

    6 - الـفـراسة: ونعني بها أن يدرب المربي نفسه على معرفة خبايا النفوس ومشاعرها من خلال قسمات الوجه والسمت العام.
    قال عثمان بن إبراهـيـم الجمـحــي ـ وهو من فضلاء التابعين -: "إني أعرف في العين إذا أنكرت، وإذا عرفت، وإذا هي لم تـعـــــرف ولم تنكر: إذا عرفت تَحُوص - أي تضيق - وتعـــود لطبيعتها لارتياحها بالفهــم بعــــد تحملقها للإنكار والاستفهام - وإذا أنكــرت تجحظ - أي تبرز وتقســـو، وإذا لم تعــرف ولم تنكـر تسجو - أي تسكن -"(4).
    وجلس بعض العلماء يحرر يوماً في مشكلة، والطلبة به محدقون، فقال لهم: فهمتم؟ قالوا: نعم، قال: لا، لو فهمتم لظهر السرور على وجوهكم(5).
    القدرة الثانية: الإقناع:

    والإقناع لغة: الإرضاء(6)، وفي العرف يراد بـــه: نقل حالة القبول أو الرفض لأمر ما من شخص لآخر، ويكون بالكلام أو الفعل، والأول أغلب.
    والمربي يحتاج هذه القدرة إلى درجة كبيرة؛ فـهـــو يحتاج دوماً إلى تعديل وتغيير قناعات المتربين.
    وهذه بعض وسائل الإقناع:
    1 - استحضار الأفكار وترتيبها: فالقول دون تفكير سمة الجهال والفوضويين. قال المنصور لبعض ولده: "خذ عني اثنتين: لا تقل من غير تفكير، ولا تعمل من غير تدبير. وينبغي في هــذه الخطوة تجنب التفكير الأحادي الذي يجعل المتحاور سجين فكرة واحدة دون النظر لمنظومة الأفكار الأخرى"(7).
    2 - حسن العرض للحجة: فالعبرة ليست بحشد الكلمات والألفاظ وسكب الأفكار في ذهن المتربي.
    3 - نقــض الــدوافع أو إثارتها: وهناك فرق بين محاولة إقناع المتربي باعتبار ظاهر فعله وكلامه وبـيـن إقـنـاعه بالنظر إلى دوافعه؛ فالتعامل معه في الثانية أشد أثراً وعمقاً، ولنا في رسول الله صلى الله عـلـيــه وسلم أسوة حسنة؛ ففي محاورته مع الشاب الذي جاء يطلب الإذن بالزنا مثال عملي على ذلك.
    4 - الجواب الحاضر المفحم: فهو يغني عن كثير الكلام في أحيان عديدة.
    5 - التدرج: وهو قاعدة هامـــــة تندرج في معظم وسائل التربية، بل هو أصل من الأصول الهامة، وبعض المربين تأخذه الحـمـاســــة فيريد أن ينقل للمتربي كل قناعاته العلمية أو النظرية التي تكونت لديه على مَر الزمن دفـعة واحـدة، فلا يجــادل ولا يناقـش، وهــذا بالطبع أمــر مُتعسر، ولو كان ذلك كذلك لـكــان أوْلى به الصحابة - رضوان الله عليهم - أفضل هذه الأمة؛ فعلى الرغم من فضلهم وإيمانـهـم فقد نزلت عليهم الأحكام مُنجَّمة؛ بل أحياناً كان الأمر الواحد يُحرَّم عليهم بالتدريج - كما في الخمر - فما الظن بغيرهم ممن لا يبلغ عشر معشارهم في فضل ولا علم؟
    6 - نقـض الأفكـار المضادة: افتخر أحد خلفاء بني أمية يوماً بقريش فقال: "إن الله حبا قريشـــاً بثلاث: فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم Sad( وأنذر عشيرتك الأقربين)) [الشعراء: 214] ونحـن عـشــيرته الأقربون، وقال - تعالى -: ((وإنه لذكر لك ولقومك)) [الزخرف: 44] ونحن قومــه، وقالSad( لإيلاف قريش . إيلافهم)) [ قريش: 1، 2] ونحن قريش. فأجابه رجل من الأنصار، فقال: على رِسْلِكَ؛ فإن الله تعالى يقولSad( وكذب به قومك وهو الحق)) [الأنعام: 66] وأنتم قـومـــه، وقــــالSad( ولـما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون)) [الزخرف: 57] وأنتم قومه، وقال - تعالى -: ((وقــال الرسول يا رب إن قومي اتـخـذوا هـــذا القرآن مهجورا)) الفرقان: 30] وأنتم قومه، ثلاثــة بـثـلاثـــة ولـو زدتـنـا لزدناك"(Cool.
    7 - إتقان الصمت والاستماع: فذلك يعطي المربـي فـرصـة لكشف أفكار المتربي ومنطلقاته، وكذا فرصة للتفكير والتركيز. ومن المقولات التي يرددها خبراء اللغويات النفسية أننا نفكر بأضعاف السرعة التي نتكلم بها، ولذلك فإننا حين نـنـصــت تـكــون عقولنا في سباق(9)؛ فحسن الاستماع يتخطى مجرد الصمت وهز الرأس، بل يستلزم قـدرات خاصة باستيعاب ما يُقال وتخزينه في الذاكرة بصورة منتظمة لاسترجاعه في الوقت المناسب في الحوار(10).
    8 - يمكن اعتبار الأساليب الواردة في القدرة التالية من وسائل الإقناع:
    الـقـدرة الـثـالـثـة: استخدام أساليب غير مباشرة لتبليغ المفاهيم الشرعية والدعوية حتى ترسخ في النفس والواقع:

    يشكو بعض المربين من عدم استجابة كثير ممن يربونهم لتوجيهاتـهـم بدرجة تتناسب مع كثرة تكرار هذه التوجيهات، وبنظرة فاحصة لأسلوبهم في التربية تجـعـلـنا نكتشف قصور مفهوم التربية لديهم وانحصاره في التلقين والتكرار الحرفي للمفاهيم؛ واخـتـزالُ التربية في هذه الصورة أشبه بالتعبير عنها بحرف واحد من حروفها، كما أن التكرار بهذه الصورة قد يُحدث أثراً عكسياً يُفقد الكلام جدته وهيبته.
    أما توسيع الدائرة واعتماد أساليب غير مباشرة في التربية فله أثر قوي وفاعلية بإذن الله، كما أنه يجعلنا نجتني فائدة التكرار مع تجنب عيبه، وأيضاً فهو يتناسب مع كون التربية تحتفي بالبناء الرأسي في العمق قبل البناء الأفقي.
    وفـيـمـا يلي طائفة من هذه الأساليب - وإن كان المطلوب من المربي أن يبدع ويأتي بالنادر الطريف ولا يكتفي بالنسج على منوال الآخرين:
    1 - اسـتخـدام الحكايات: وقد سبق الكلام عنها في صفة حسن السمت؛ فلها أثر عجيب في النفس، ويكفي أن القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية ممتلئان بها، وقد تعدل حكاية صغيرة في سطرين كلاماً طويلاً في صفحات، فضلاً عن أنها تفوقه أثراً وثباتاً في النفس والعقل، قال البرقي: "الحكايات حبوب تُصطاد بها القلوب"(11).
    2 - ضرب الـمثال: ويقصد به: ادعاء التماثل الجزئي أو الكلي بين شيئين أو حالين طلباً لإثبات أو إيضاح أحدهما اعتماداً على ثبوت أو وضوح الثاني.
    فهو يُستخدم إذن فـي تقـريب المعنى وإيضاحه والإقناع به والحث على الفعل ونحو ذلك، وله في ذلك تأثير عظيم، وهـو أسلوب شائع الاستخدام في الكتاب والسنة. قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث "النخـلـــة": "وفيه ضرب الأمثال والأشباه لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني لترسخ في الذهن، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة"(12).
    وله صور عديدة: فقد يكون تشبيهاً رمزياً للبشر وأحوالهم بالنبات أو الحيوان أو الجماد.
    وقد يكون هذا المثال الرمزي مُعَايَـنــاً، كـمـا في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم غصناً، فنفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه فانتفض (لاحظ الانتفاض في الثالثة) قـال: "إن سـبـحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ينفض الخطايا كما تنفض الشجرة ورقها"(13).
    وقـد يكــون الـمـثـــال الرمزي "تخيُّلياً" كقوله تعالىSad( مـثـل الـذيـن حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)) [{الجمعة: 5}].
    ومثله: كان الإمام أحمــد يقــول لبعض أصحابه: "كم يعيش أحدنا: خمسين سنة؟ ستين سنة؟ كأنك بنا قد متنا، ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط"(14).
    وقد يكون المثال تشبيهاً بأحــــــوال البشر وأفعالهم: فيكون افتراضياً؛ فعن يعلى بن عبيد قال: سمعت سفيان الثوري يقــــــول: "لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء؟ قلنا: لا، قال: فإن معكم من يرفع الحديث... يعني إلى الله"(15).
    وقد يكون حقـيقـياً؛ فقد قال عبد الواحد بن زيد للحسن البصري وكلاهما من التابعين -: "يا أبا سعيد! أخبـرنـي عــن رجل لم يشهد فتنة ابن المهلب بن أبي صفرة، إلا أنه عاون بلسانه ورضي بقلبه، فقال الحسن: يـــــا ابن أخي! كم يد عقرت الناقة؟ قلت: واحدة، قال: أليس قد هلك القوم جميعاً برضاهم وتمالئهم؟"(16).
    3 - افتعال المواقف: ومَثَلُه حديث جبريل - عليه السلام - لما حاكى فعل الغريب السائل الطالب للعلم، فقدم وجلس وسأل ومضى؛ فـالـنـظـر إلى أثر افتعال هذا الموقف وما ذكر فيه العلماء من الفوائد يُبين أهمية هذه الوسيلة، وأنه لــو كــان المطلوب مجرد تلقين المعلومات لأجلسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وعرَّف لهم الإســـلام والإيـمـــــان والإحسان وذكر علامات الساعة وانتهى الأمر.
    4 - الحث على السؤال وفتح المجال له: ففيه تنشيط للذهن ودفع لتمام الاستيعاب وسد ثغرات الفهم بالسؤال، قال عكرمة يوماً لتلاميذه يحثهم على السؤال: ما لكم لا تسألوني؟ أأفلستم؟
    5 - التلغيز: وهــو السؤال المحير للفهم المشكل على سامعه ومنه حديث النبي صلى الله عـلـيـه وسـلــم الذي رواه ابن عمر قال: "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني مـــــا هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت - لصغر سني - ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة"(17).
    قال ابن حجر في فوائده: "وفيه امتحان العالم أذهان الطلبة بما يخفي مع بيانه لهم إن لم يفهموه"(18).
    وقال أيضاً: "وفيه أن الـمُلـغِّز ينبغي له ألا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للمُلَغَّز له باباً يدخل منه، بل كلما قَرَّبه كان أوقع في نفس سامعه"(19).
    6 - الكناية عن الأمر بعاقـبـتـه: ومعلوم مـــا فـي ذلـك مـــــن دوام الترهيب أو الترغيب واستحضاره في النفس وتذكره على الدوام، كما قال النبي صـلـى الله عـلـيـه وسلم في غزوة بدر لأصحابه يحثهم على القـتال: "قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض"(20).
    7 - إذكاء روح التنافس في الخير: من الثابت في علم النفس أن المنافسة وسيلة فعالة لرفع المستوى وتنمية الموهبة، وأن انعدامها بين الأفراد من شأنه أن يُبطئ ذلك.
    وقــد كـــان النبي صلى الله عليه وسلم - المربي الأول - يستخدم هذا الأسلوب في تربية الصحابة، وهـنــاك السباق المشهور في الخير والطاعات بين أبي بكـر وعمــر - رضي الله عنهما - الذي كــان النبي صلى الله عليه وسلم يحفـزه ويشجعـه، وقد فاز أبـو بكر بهذا السباق حتى قال عمر: والله! لا أسابقك بعدها إلى شيء أبداً.
    8 - استخدام الحِيَل: فـقـد تستعصي بعض المفاهيم على القبول لدى بعض الأشخاص فلا بأس من استخدام الحيل المشروعة لتحقيق ذلك.
    ومن ذلك احتيال عـبـد الله بن المبارك لكي يغير فكرة الأوزاعي عن أبي حنيفة؛ فقدم له بعض مؤلفاته من غير أن يـكـــون عليها اسمه الحقيقي، فلما أعجب بها أخبره بأنها من تأليف أبي حنيفة، فتغيرت فكرته عنه وصار يُجِلُّه (21).
    القدرة الرابعة: الاحتواء النفسي:

    وهو أن تنشأ بين المربي والمتربــي علاقة نفسية قلبية قوية من الحب في الله، يكون المربي هو المُوَجِّه فيها بحيث يرتبط المتـربــــي به ارتباطاً نفسياً يرفع من مستوى قبوله وامتثاله لتوجيهات مُربيه ويُيسر عملية التربية.
    ويمكن تلخيص كيفية اتصاف المربي بـهـــــذه القدرة في: أن يهتم بالتفعيل القوي لحقوق الأخوة بمعناها الشامل، مع التركيز على الجـــــوانب ذات التأثير النفسي القوي، حتى يكون له تواجد مؤثر على خريطة المتربي النفسية - بدون اقتحام فيما لا يعنيه -.
    والمربي يلزمه قبل ذلك أن يتحلى بأمور لها تأثير فعال على تحقق هذا الاحتواء النفسي - وإن كانت غير مباشرة - وهذه الأمور مثل: حرصــه على أن يتصف بسلامة النية وتجنب المسالك الملتوية في التعامل مع الناس. يقول ابن حــــزم: "احرص على أن توصف بسلامة الجانب، وتحفَّظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك"(22).
    وأيضاً يتصف بحسن معامـلة الناس، فيعاملهم بمكارم الأخـلاق، والإيثار وترك الاستئثار، والتحلي بالإنصاف وترك الاستنصاف، وشكر التفضل(23)، مع التنزه عن الاستعانة بأحد من تلاميذه في مصلحة خاصـة به، "وقد كان منصور بن الـمـعتمر لا يستعين بأحد يختلف إليه - يعني لطلب العلم - في حاجة"(24) وغيرها من الصفات المشابهة.
    وبتأملنا مسلك السلف في التعامــل مع تلاميذهم يتبين لنا أنــــــه كان لهم منهج واضح في مشاركة تلاميذهم مشاكلهم وسعيهم في مساعدتهم؛ بحيث إن الشيخ كان له تأثير عظيم في نفسية تلميذه وهذه بعض ملامح هذا المنهج:
    \ كانوا يُظهــرون الاهتمام والإقبال على جلسائهم وتلاميذهم: يقول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أكرم الناس جليسي الـذي يتخطى رقاب الناس إليَّ، لــــو استطعت أن لا يقع الذباب عليه لفعلت"(25).
    \ الاهـتـمـام بالتعرف عليهم وعلى ظروفهم. يقول ابن جماعة: "وينبغي أن يتعلم أسماءهم وأنسابهم ومواطنهم وأحوالهم ويكثر الدعاء لهم بالصلاح"(26).
    \ الحنو علـيـه والرفق به، يقول ابن جماعة: "ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه والإحسان إليه"(27).
    \ مساعدته في تذليل الصعاب والتغلب على الظروف المعوقة لطلب العلم، ومن ذلك أن أسد بن الفرات كـــان يريد السـمـاع على محمد بن الحسن الشيباني، فحضر إليه وقال: "إني غريب - من القيروان - قليل النفقة والسماع منك نَزْر، والطلبة عندك كثير، فما حيلتي؟ فقال له: اسمع مع العراقيين بالـنـهـــــــار، وقد جعلت لك الليل وحدك، فتبيت عندي وأسمعك، قال أسد: وكنت أبيت عنده ويـنــزل إليَّ، ويجعل بين يديه قدحاً فيه ماء، ثم يأخذ في القراءة، فإذا طال الليل ونعست، ملأ يده ونضح وجهي بالماء فأنتبه، حتى أتيت على ما أريد من السماع عليه. كما كان يتعهده بالنفقة إذا نَفدت نفقته"(28).

    ثالثاً: مقومات الاستمرار:
    وهذه المقومات يجمعها لفظ الصبر، ويُفَرِّقُها وينوعها مجالاته.
    ولأن العمل التربوي هو في مجمله محاولة للتأثير في نفس وسـلـوك الإنسان فإن ذلك يقترن - ولا بد - بكمٍّ من الصعوبات والمعوقات - تـنـبـعــث مـــــن تعقد النفس البشرية وتردِّي الظروف المحيطة - تحتاج من المربي أن يعالج نفسه بالصبر ليقدر على مواصلة الجهد - وبالمستوى نفسه إن لم يكن أرقى - وإن من أهم الوسائل التي تُـعـين المربي على التصبر أن يتذكر دائماً اقتران الأجر الأوفى بالصبر، وكذا اقتران النتائج الكبيرة به أيضاً، كما يتذكر أن الله - سبحانه وتعالى - قد ذكر على لسان نبيه أن أحب العـمــــل إليه ما استمر عليه صاحبه ولم يقطعه وصبر عليه وإن قلَّ؛ لأنه بذلك تزداد احتمالات الــوصـــــول للأهداف الموضوعة لهذا العملSad( واصبر نفـسـك مـع الـذيـن يـدعــون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ...)) [الكهف: 28].
    ولـيـتـأمل المربي في واقعنا العام والعمل الإسلامي على وجه الخصوص، ليجد هناك ظاهرة فوضويــــة تشوب الكثير من أعمالنا، وهي ظاهرة أحجار الأساس؛ حيث نكتفي في أعمالنا بوضع حجر الأساس ولا بأس بحجر آخر أو حجرين معه - ونعتبر ذلك إنجازاً -.
    إنـهـــا ظـاهرة الأعمال المبتورة التي لا تكتمل؛ ولو أجرينا إحصاءاً لمرات البدء في الأعمال المختلفة في مــيـدان العمل الإسلامي ثم أحصينا كم من الأعمال بلغت منتصف الطريق، ثم تفقدنا الأعـمــال الـتي بلـغـت نهايتها المرجوة أو كادت، فكم يا تُرى يكون حجم التفاوت العددي في الحالات الثلاث؟!
    فـالمــربي يحتاج إذن إلى الصبر وإلى مجاهدة النفس عليه في مجالات كثيرة، أهمها: الصبر على البذل والتضحية.

    والمربي يحـتـاج إلى مداومة البذل والصبر عليه، البذل من وقته وراحته وبيته وماله، وقد سبق كيف كــان السلف ينفقون من أموالهم على تلاميذهم - خاصة النجباء منهم - وعدم تضجرهم من ذلك إن استطاعوا.
    وقال محمد بـن ســــلام - شيخ البخاري - "أنفقت في طلب العلم أربعين ألفاً، وأنفقت في نشره أربعين ألفاً"، ومــثـل هذا - ولا شك - يحدث كثيراً في عصرنا ولكن بقلب "أنفقت" إلى "جمعت".

    وكـان الـنـبـي صـلـى الله عـلـيه وسلم يجتمع بالصحابة في دار الأرقم لتعليمهم وتربيتهم، وأحياناً بمنزله صلى الله عليه وسـلـم ، ثـم كــان الصحابة يفتحون بيوتهم لتلامذتهم مثل عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ومن بــعـده مـالـك بن أنس، وقبيصة بن ذؤيب، وأبي غطفان بن طريف المري... وغيرهم كثير(29)، وقد مر كيف فتح محمد بن الحسن بيته لابن الفرات فكان يؤويه ويعلمه وينفق عليه.
    والـمـربي أيـضــاً يـحـتـاج إلى الـصبر على تأخر ثمرة العمل التربوي - نسبياً - فضلاً عن احتمالات ضياع بعضها أو تلفها.
    ويحـتـاج أيـضــــاً إلى الصبر على جفاء بعض الطباع وخشونة التعامل؛ فهذا نبينا - عليه الصلاة والسلام - وقد أقيمت الصلاة حين يأتي أعرابي فيأخذ بثوبه ويقول: إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخــاف أنساها، فيقوم صلى الله عليه وسلم معه حتى يفرغ من حاجته - والصلاة مقامة - ثم أقبل فصلى(30).
    وقد ذكر ابن جماعة أن من أدب المعلم مع تلميذه: "الصبر على جفاءٍ ربما وقع منه أذى لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسوء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بقدر الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صـــدر مــنـه بـنـصـــــح وتلطف لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته"(31).
    وأخيراً: نختم بذكر الأمر الثاني الذي ينبغي توافره في النموذج المعتدل للمربي، وهو: أن يكون تحقق الصفات والمؤهلات السابقة فيه حدٌّ أدنى لا يتأهل الداعية بالنزول عنه للعمل التربوي.

    وهنا ملاحظات غير عابرة:
    أولاً: هــذا الحد الأدنى يختلف باختلاف الظروف والأحوال؛ فهو يتغير من بيئة دعوية إلى أخــــرى، وحــسـب تعقُّد العمل وتوفر الكفاءات، كما أنه يتغير بتغير حجم المسؤولية التربوية؛ فالذي يتولـى تربـيـة عدد كبير ليس كمن يعمل مع أشخاص محدودين، كما أن الذي يربي أشخاصاً حديثي عهد بالدعوة، ليس كمن يعمل مع دعاة متمرسين.
    ثانياً: لتحقيق قدر من المرونــة والواقعية - ونظراً لضعف عملية التنمية البشرية - قُسمت المقومات وفق ابتداء تأثيرهــا، وهذا يعني أن أهمية تحقق كل قسم منها في بداية العمل في شخص المربي متفاوتة؛ فمقومــات الـبـدء لا مـفـر من تحققها تماماً - وفق البند السابق - ومقومات الإتقان يمكن التجاوز فيها قليلاً، على أن يبدأ سد الخلل فيها بعد البدء مباشرة وإلا ظهر أثر ذلك على العمل التربوي.
    وأما مقومات الاستمرار فيمكن العمل على تنميتها وترسيخها أثناء ممارسة العمل التربوي.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    ----------------
    الهوامش:

    (1) التذكرة ، ص 63.
    (2) التذكرة ، ص 56.
    (3) الأذكياء ، ابن الجوزي ، ص 24.
    (4) صفحات من صبر العلماء ، ص 200 الهامش .
    (5) التذكرة ، ص 105 الهامش .
    (6) القاموس المحيط ، ص 977.
    (7) مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والساسي ، د. حسن وجيه ص 28.
    (Cool المستطرف ، ص 91.
    (9) علم التفاوض ، ص 203.
    (10) المصدر السابق ، ص 27.
    (11) النظم التعليمية ، ص 69.
    (12) فتح الباري ، ص 177.
    (13) صحيح الأدب المفرد ، البخاري ، بتحقيق الألباني ، ص 237.
    (14) صفحات من صبر العلماء ، ص 151.
    (15) حلية الأولياء ، ج7/70.
    (16) الزهد للإمام أحمد ، ص 289.
    (17) البخاري ، ح/59.
    (18) فتح الباري ، ص175-176.
    (19) المصدر السابق ، ص176.
    (20) مسلم ، ح/3520.
    (21) الخطيب البغدادي في تاريخه ، ج13/338.
    (22) مداواة النفوس ، لابن حزم ، ص71.
    (23) التذكرة ، ص23.
    (24) التذكرة ، ص19.؟
    (25) التذكرة ـ، ص49.
    (26) المصدر السابق ، ص60.
    (27) المصدر السابق ، 49.
    (28) صفحات من صبر العلماء ، ص119.
    (29) النظم التعليمية ، ص40.
    (30) صحيح الأدب المفرد ، ص120.
    (31) التذكرة ، ص49-50.

    أحمد فهمي

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 3:52 pm