لخص عالم النفس ( ماسلو ) الصفات المميزة لمن استطاعوا تحقيق ذاتهم في الآتي:
1- انهم يدركون الحقيقة بكفاءة , و يستطيعون تحمل التأرجح بين الشك واليقين
2- يتقبلون ذاتهم كما هي والآخرين كما هم
3- أنهم تلقائيين في تفكيرهم و سلوكهم
4- أنهم يركزون اهتماماتهم في المشاكل أكثر من تركيزهم على ذاتهم
5- يتحلون بملكة الفكاهة
6- مبدعين وخلاقين
7- يقاومون التشكل الحضاري الدخيل - ولكن دون تحفظ متزمت -
8- أنهم يهتمون بسعادة الانسان والبشرية
9- أنهم قادرين على التقدير العميق للتجارب الأساسية في الحياة
10- أنهم يقيمون علاقات مشبعة مع القلة وليس مع الكم من الناس
11- ينظرون للحياة نظرة موضوعية
يتميز الكائن الإنساني عن باقي المخلوقات بأنه كائن يهدف إلى تحصيل المعرفة من أجل إشباع حاجاته المادية و الروحية ، و هو للوصول إلى المعرفة يستخدم عقله مفكرا عبر مراحل إستدلالية مختلفة و متعددة عبر مقدمات متسلسلة يستنبطها حدسه العقلي حتى يبلغ مأربه و يشبع ظمأه، لذلك اخترع المتقدمون من الحضارات القديمة قواعد و ضوابط عقلية أسموها بالمنطق حتى تصبح ثوابت عامة في المعرفة الإنسانية. ذلك أن الإنسان قد لا يصل غالبا ً إلى المعرفة التي تكشف عن الواقع أو قد يضع لنفسه معرفة تطابق هواه و رغباته ومصالحه لذلك يخطئ كثيراً في تحصيل المعرفة او إستخدامها بالصورة الصحيحة.
و إذا كان الإنسان كائن مستدل عقلاني فأن نمط حياته العام يتشكل حسب نوعية الحركة المعرفية التي يتخذها و حسب أساليبه الاستدلالية، و قد تتخذ أمة كاملة منهجاً استدلالياً و معرفياً خاطئاً يقودها إلى إتجاه معاكس و لا يوصلها إلى أهدافها.
أن تغيير كثير من الأخطاء التي نعيشها و تغيير واقعنا إلى واقع جديد سليم يعتمد بشكل كبير على كشف الأسلوب الذي نفكر به ، فإذا كان واقعنا سيئا ومريرا فهذا يعني أننا نفكر بأسلوب خاطئ ولابد من أن نغير أساليبنا الفكرية و الاستدلالية لتغيير هذا الواقع المتخلف.
إن الكثير من الأشياء في هذه الحياة تبدو لنا في ظاهرها سليمة و خالية من العيوب لذلك نعمل وفق هذه الرؤية و نشكل حياتنا وما يتبعها على ضوءها، و لكن قد تكون هذه الأفكار ليست إلا أخطاء تعودنا عليها عبر الزمن حتى يسيطر الركود و الجمود و التخلف علينا ، ذلك أن الاستمرار على الخطأ يؤدي إلى خلق تراكمات متتالية لمجموعات من الأخطاء المعقدة، و هذه هي إشكالية في المنهجية التي يفكر فيها الفرد او الجماعة او المجتمع أو الأمة.
فوظيفة المعرفة هي الإنتقال من المعلوم للوصول إلى المجهول عبر مجموعة من المقدمات التي يربط الفكر بينها و يستدل منها لإشباع نهمه في قطف الحقائق، لذلك عندما تتكامل هذه المقدمات يحصل على نتيجة تعطيه اليقين الذاتي.
هذا اليقين قد يكون حقيقة عندما يتطابق مع الواقع لأن المستدل أتخذ الطرق العقلية السليمة في الإستدلال و هنا يكون يقينه سليماً معترفاً به لدى العقل و عرف العقلاء. و بعبارة أخرى اليقين السليم هو اليقين الذي يكون موضوعياً لا تتحكم فيه الظروف و المصالح العوامل الذاتية أي أنه يرتكز على أدلة منطقية مقنعة لأي عقل بحد ذاته. و قد يكون يقينه و هما لا يتطابق مع الواقع لأنه استدل بمقدمات غير صحيحة أو توهم أنها صحيحة أو رغب لا شعورياً أن تكون صحيحة لذلك يصل إلى نتيجة هي يقين وهمي يتمسك به على أنه يقين مطلق.
هذا ما الذي يجعل التفكير ينقاد إلى الاستدلال العقيم او السقيم؟ هذا السؤال هو الذي يفرض علينا نفسه لمعرفة الأخطاء الفكرية التي يقع فيها الفرد عبر مراحله المختلفة.و اذا كان القدماء قد وضعوا المنطق المعروف بمنطق أرسطو فأن هذا المنطق لا يستطيع ان يستدرك هذه الأخطاء بكاملها لأنه يعتمد على آلية ميكانيكية لا تنظر إلى مختلف المراحل و الظروف الفكرية التي يمر بها الإنسان، إذ ان العقل الإنساني ليس مجرد آلة تصنع الأفكار بل انه خاضع في كثير من الاحيان الى مجموعة من الرغبات و الميول النفسية و الحوافر الاجتماعية و الدوافع الذاتية والضغوط الخارجية.
لذلك لابد من دراسة منهج التفكير الإنساني و أسلوبه من خلال الآفات التي تصب الفكر و تعطل حركته او تجعله مريضاً لا يفكر بالطريق الاستدلالية السليمة.
ان استكشاف آفات التفكير يعطينا القدرة على استدراك الأخطاء التي نقع بها، و عندما نخضع لمنطق أمكان الخطأ في أساليب التفكير و نعترف بذلك فأننا نستطيع أن نغير الكثير من أساليبنا في الحياة عبر تغيير أساليب التفكير.
ان الإنسان ليس له آلة مجبرة تنتج الأفكار المطلقة، بل هو إنسان يمتلك مجموعة من الصفات المتضادة و الرغبات النفسية المتنازعة و المشاكل الروحية المقلقة، لذلك فأن هذا الإنسان قد يكون مصنعاً لإنتاج الأخطاء، و التاريخ الإنساني شاهد على ذلك.
و على هذا فان اليقين الواقعي هو من أصعب النتائج الفكرية التي يمكن يصل اليها الإنسان.
أن الالتزام بمدرسة الحكم الظاهري في حياتنا اليومية أيضا ً يمكن أن يحل الكثير من المشاكل المعقدة التي نواجهها. فليس كل ما نعرفه و نمتلكه من معلومات هو يقين و ليس كل يقين هو أمر يطابق الواقع، فاذا فكّرنا بهذا الاسلوب فاننا يمكن أن نكتشف الكثير من الحقائق و نصحح ما هو خطأ، بل إن إستخدام النقد في أساليب الإستدلال يمكن أن يعطي إثباتا ًً إضافيا ً لقوة الشيء الذي نريد اثبات انه يقيني.
و لا داعي للخوف من الدراسة النقدية و الفكرية لبعض المفاهيم و القيم لأن العقل السليم عبر استخدامه للمنهج السليم في الاستدلال لا شك سيقترب إلى النتيجة الواقعية. نعم قد يكون هناك من يستخدم الشك كأسلوب مغالطة مريض لهدم الاراء الاخرى بدون اتخاذه للاستدلال السليم و المنهجي المنظم و ذلك لكسب الشهرة و أثارة الفتن.
و لكن النقد المنهجي الذي يستخدم الموضوعية هو تقوية لايماننا بمفاهيمنا
و عقائدنا لانها لا شك تنسجم مع استدلال العقل السليم. هو نوع الذي توجهه الرغبات لا الوقائع و هو نقيض التفكير، الواقعي الذي يبذل جهداً في معرفة الوقائع ثم يقصر نشاطه العقلي عليها. و هذا النوع من التفكير من المشكلات الاساسية التي تعرقل حيوية الأمة و تقدمها بل أنه يقودها للتراجع و التخلف، لأنه:
التفكير الارتغابي: يرسم أفكار كل فرد أو جماعة و حسب مصالحه و أهدافه و بالتالي. فأن سلوكه الاجتماعي العام سوف يتشكل حسب هذا المنطلق لذلك تتعمق الانشقاقات و اللامبالاة و عدم تحمل المسؤولية و الأنانية.
التفكير الارتغابي: يرسم للإنسان واقعاً وهمياً يحلم به فيجعله يحلق من غير أجنحة حتى أن تيقظ سقط سقوطاً مريعاً، هذه الأفكار التي توجها الرغبات النفسية تحول الفرد إلى حالم بعيد عن الوقائع يعيش في اوهام تبعده عن مسؤولياته و تبرر له عزلته و انقطاعه، فعندما لا يستطيع الإنسان أو الأمة أن يواجه أزماته ينخرط في موجات التصوف و الرومانسية التي تجعله منسلخاً عن واقعه.
التفكير الارتغابي: لانه لا يتقيد بالواقع فأنه يشوه الرؤية و يجعلنا ننظر للخارج كما نريد لا كما هو في الواقع لذلك تبقى الكثير من المشكلات على حالها.
هو سيطرة فكر او أفكار على الجو الاجتماعي بحيث يتم استلاب العقل و تحول ذلك الفكر المسيطر إلى سلطة مطلقة غير قابلة للنقد و النقاش. و آفة الفكر هنا ليس في وجود هذه السلطة بل في الاستسلام المطلق لها، و المثال على ذلك تاريخيا هو سيطرة شخصية ارسطو على وسائل المعرفة بحيث كان مصدر السلطة الفكرية و العلمية لقرون عديدة و في بعض العصور فأن الخارج على هذه السلطة كان يتهم بالارتداد. و مثال آخر على ذلك هي المعركة التي جرت في القرون الوسطى حول كروية الأرض و مركزيتها بحيث تحولت إلى محرقة لكل من ينكر هذه النظرية.
لقد أثبت التاريخ أن الكثير من الأفكار كانت خاطئة و كان يمكن تصحيحها لو كان هناك من لم يستسلم و يخضع لذلك المنطق ، و لكن الاستسلام هو أسلوب مريح في حل المشكلات و يعبر عن العجز و الافتقار إلى الروح الخلاقة.
فالإنسان بطبيعته خاصة اذا سيطر الجهل عليه يضع هالة مقدسة على كل شيء توارثته الأجيال بحيث يدل ذلك عنده على صحته و واقعيته.
أن الفكر الإنساني تكون من خلال تراكم الخبرات لذلك فان انكار القديم هو خطأ ايضاً بل لابد من الاستفادة من الخبرات الماضية و لكن ليس بمنطق الاستسلام بل بمنطق النقد و الفكر و التخطئة.
بعض الأفكار تسيطر لأنها مشهورة و منتشرة و هذا الأمر عند البعض يعتبر حقيقة و واقعا، كما يحدث ذلك للجماهير الغالبة التي تبحث عادة عن الأسهل و المريح و هي تتجمع سوياً حول الرأي الواحد بسهولة و الفرد يميل نحو الكثرة و يستظل بظلها لذلك ينجر وراء رأي الأكثرية. و هناك القليل من يمتلك الجرأة و الوعي ليواجه برأيه و فكره الرأي الذي اتخذته الفكرة الغالبة، لذلك يسيطر منطق الاستسلام في هذه الحالة على الضعفاء فكرياً و نفسياً و روحياً.
وقد كان البعض يستغل هذا الامر في تعبئة الجماهير لأغراض فئوية او انتخابية او سياسية عبر نشر أفكار معينة بشكل واسع و تضليل اعلامي كبير بحيث يسهل التحكم بهذه الجماهير و ضرب المعارضين لهم .
و منطق الاستسلام للرأي المنتشر بين الكثرة هو منشأ للكثير من مشاكلنا الحديثة و خصوصاً سيطرة الانظمة الاستبدادية والانقلابية بتهييج الرأي العام الشعبي لصالحها واحكام سلطتها عبر ذلك. لقد تحول الاستسلام، إلى عادة مترسخة في ثقافتنا و سلوكنا بحيث تعلمنا ان لا نفكر و ان لا نناقش و ان لا ننتقد بل اننا نخاف أن نفكر.
هو محاولة لاحتكار الحقيقة و الرأي و اتهام الآخرين بالخطأ دائماً اذ ان التعصب تحمس زائد للرأي الذي يعتقده الشخص و موقف معاد للرأي الآخر، فلا يكتفي المتعصب ان يحتكر الرأي لنفسه و ينطوي على ذاته و ينسب اليها كل الفضائل و القدسية بل و يهاجم الآخرين و يسلبهم الفضائل و ينكرها و تأكيد ذاته من خلال هدم آراء الآخرين.
إن أحد ملامح موت الأفراد و الأمم هو الجمود و الركود الذي يسيطر على الفكر و العقل بحيث تسيطر مظاهر الثبات على مختلف الفعاليات العقلية و هذا الأمر يرجع على عدة أسباب:
1- افتقاد الوعي اللازم لمعايشة الحياة و مواكبتها.
2- عدم تحمل المسؤولية و اللامبالاة لان التفكير و التجدد يفرضان على الإنسان مسؤوليات متعددة خصوصاً عند ما يواجه مجتمعاً سيطرت عليه الكثير من الأفكار الجامدة.
3- الخوف من الجديد و ما يأتي من تطورات، فالقديم يستأنس به الإنسان و يعرف حدوده و معانيه، أما الجديد فانه يتطلب طاقات فكرية و اجتهاد و سعي و هذه كلها أمور يتعب منها العقل الذي تعود على الرخاء و الكسل و الأفكار الجاهزة.
4- الترف الفكري و هو يحدث عندما يعجز الفرد عن حل المشكلات التي يواجهه عن طريق الفكر أو يخاف لظروف سياسية او اجتماعية او اقتصادية أن يواجهها، لذلك يلجأ إلى الترف الفكري الذي يحوي الكثير من الضبابية و الهروب من الواقع إلى عالم لا مسؤوليات فيه.
ان الجمود يصنع مجموعة مظاهر سلبية تعطل الاستدلال الفكري الحيوي و توقف العقل عن ممارسة دورهُ الطبيعي منها:
1 ـ الاهتمام بالقشور و الهوامش و ترك الاولويات فيغوص الفكر في أمور لا طائل لها، و تنحصر المناقشات في قضايا هامشية تُنسي القضايا الأساسية كالجدال البيزنطي الذي جرى بين علماء النصارى في مدينة البيزنطية حول ناسوت عيسى(ع) او لاهوته في نفس الوقت الذي كانت جيوش العثمانيين تدق حصونهم لتستولي على مدينتهم.
2 ـ التقليد الأعمى هو أحد مظاهر الجمود، و هذه الحالة تنشيء عند ما يوجب المجتمع على أفراده أتباع فكرة معينة دون نقاش أو نقد و يحرم عليه عبور الخطوط الحمراء التي وضعها فيقضي على الابداع و التطور و يطمس ملكة التفكير و الابتكار، و الأسوء من ذلك أنه يكوّن قاعدة عقائدية ضعيفة الأسس و المرتكزات تنهار بسرعة عندما تواجهها أفكار أخرى في معترك الصراع العقائدي، لذلك تموت الجماعات التي تفرض على أفرادها التقليد الأعمى بسرعة و تندثر، و بعض هذه الجماعات الهشة يحرم على أفرادها خوض مناقشات عقائدية او فكرية
3 ـ التفكير السحطي و الآني: هو أحد آفات الفكر التي تحجم الاستدلال، فالإنسان الذي يغرق في مشاكل حياته اليومية يصبح عاجزاً عن التفكير المنهجي و المنظم، و حين تسيطر عليه الجزئيات يصبح تفكيره مجرد رد فعل ي أنه يفكر كالطفل حسب الاستجابات التي تطرأ عليه خارجاً، فهو حينئذ مجبر على التفكير في قضايا جزئية معينة و يعجز عن خلق أفكار و ابداع أشياء جديدة و هذا هو الذي خلق الإنسان الآني الذي يعيش في يومه فقط و لا يفكر في الغد و المستقبل. لذلك تصدر أغلب الافعال بدون تفكير و حين نقع في الاخطاء فاننا حينئذ نحاول أن نفكر بذلك و نخلق أفكاراً لتبرير سلوكنا و الدفاع عن اخطائنا و هذا هو منطق التفكير العاطفي وهو عكس التفكير المنطقي لانه يستهدف الدفاع لا البرهان، فالذين يفكرون قبل ان يعملوا هم قليلون والذين يعملون دون ان يفكروا هو ولاشك كثيرون في مجتمع تعلم وتربى على ان يكون محدودا لايفكر.
و عندما يحاول ان يبرر الإنسان سلوكه الخاطئ و يعمل دون تفكير منهجي منظم مسبق يستمر في الوقوع في الاخطاء حتى يتأقلم معها و تصبح من الملفات المؤجلة و العادات المتجذرة، فتصبح تدريجياً حالة طبيعية متأصلة في سلوكنا بدون ان نشعر بذلك.
ان التفكير السطحي السريع ينعكس فقط في فهم الظواهر فهماً شكلياً متعجلاً معتمداً على الخبرة الشخصية الذاتية المحملة بانطباعات و تصورات ذاتية مغرورة دون أن يخترق الاعماق ليفهم الواقع فهماً تحليلياً للوصول إلى الاسباب و العلل. و التحليل الفكري العميق يعطي الكثير من النتائج المذهلة للفكر الإنساني حيث يخلق مجموعات متوالية من الولادات الفكرية المبدعة و المفيدة.
ان اللغة هي سبب كبير في تطور الفكر و تشجع الإنسان على التفكير و الابداع لانها تخلق الكثير من المعاني التي تعبر بمفردات جميلة عن خواطر الإنسان و أفكاره. و لكن في بعض الأحيان تتحول اللغة إلى عائق كبير في تطور الفكر و العلم عندما يحبس أرباب العلم علومهم باصطلاحات و رموز تجعل من الالفاظ الغازاً يصعب فهمها عــلى من يقـــرأها، فبدل من أن يحاول القارئ استيعاب الفكرة يستغرق وقته في حل رموز الالفاظ و الضمائر و ما تدل عليه من معاني. و اذا طالعت بعض الكتب العلمية من الطب او علم النفس او الاصول و الفلسفة فأن محتواها من المصطلحات اكبر من المعاني التي بها، فالمؤلف يحاول أن يرفع من شأن كتابه عبر تقزيم الأفكار لصالح تعظيم المصطلحات.
ان التفكير الاستدلالي يصبح غير مفيد عندما يقع في مجادلات لفظية عقيمة تهدف إلى مجرد الجدال لأثبات الذات و ليس للوصول إلى الفكرة السليمة، و اذا تعود الفكر على المغالطة الجدلية متجاوزاً الأذعان للحقيقة عندما يصل اليها، فانه يكون حينئذ من السهل خلط الحقائق و تذويبها في متاهة المغالطات و المجادلات، و عندها يتحول الجدل و المغالطة إلى حالة منهجية مسيطرة على التفكير و تعوقه عن الاستدلال السليم.
فاذا اردنا ان ننتشل الامة من الواقع المأساوي الذي تعيش فيه لابد من تغيير انفسنا، وتغيير النفس لايتم الا عندما نغير من اسلوب تفكيرنا واستدلالنا لان الفكر هو الذي يصنع سلوك الانسان ويشكل ثقافته. وما كانت عظمة الانيباء والمصلحين الا لعظمة افكارهم التي انارت للانسانية سبل الهداية والحضارة.
بشير أسعد
1- انهم يدركون الحقيقة بكفاءة , و يستطيعون تحمل التأرجح بين الشك واليقين
2- يتقبلون ذاتهم كما هي والآخرين كما هم
3- أنهم تلقائيين في تفكيرهم و سلوكهم
4- أنهم يركزون اهتماماتهم في المشاكل أكثر من تركيزهم على ذاتهم
5- يتحلون بملكة الفكاهة
6- مبدعين وخلاقين
7- يقاومون التشكل الحضاري الدخيل - ولكن دون تحفظ متزمت -
8- أنهم يهتمون بسعادة الانسان والبشرية
9- أنهم قادرين على التقدير العميق للتجارب الأساسية في الحياة
10- أنهم يقيمون علاقات مشبعة مع القلة وليس مع الكم من الناس
11- ينظرون للحياة نظرة موضوعية
يتميز الكائن الإنساني عن باقي المخلوقات بأنه كائن يهدف إلى تحصيل المعرفة من أجل إشباع حاجاته المادية و الروحية ، و هو للوصول إلى المعرفة يستخدم عقله مفكرا عبر مراحل إستدلالية مختلفة و متعددة عبر مقدمات متسلسلة يستنبطها حدسه العقلي حتى يبلغ مأربه و يشبع ظمأه، لذلك اخترع المتقدمون من الحضارات القديمة قواعد و ضوابط عقلية أسموها بالمنطق حتى تصبح ثوابت عامة في المعرفة الإنسانية. ذلك أن الإنسان قد لا يصل غالبا ً إلى المعرفة التي تكشف عن الواقع أو قد يضع لنفسه معرفة تطابق هواه و رغباته ومصالحه لذلك يخطئ كثيراً في تحصيل المعرفة او إستخدامها بالصورة الصحيحة.
و إذا كان الإنسان كائن مستدل عقلاني فأن نمط حياته العام يتشكل حسب نوعية الحركة المعرفية التي يتخذها و حسب أساليبه الاستدلالية، و قد تتخذ أمة كاملة منهجاً استدلالياً و معرفياً خاطئاً يقودها إلى إتجاه معاكس و لا يوصلها إلى أهدافها.
أن تغيير كثير من الأخطاء التي نعيشها و تغيير واقعنا إلى واقع جديد سليم يعتمد بشكل كبير على كشف الأسلوب الذي نفكر به ، فإذا كان واقعنا سيئا ومريرا فهذا يعني أننا نفكر بأسلوب خاطئ ولابد من أن نغير أساليبنا الفكرية و الاستدلالية لتغيير هذا الواقع المتخلف.
إن الكثير من الأشياء في هذه الحياة تبدو لنا في ظاهرها سليمة و خالية من العيوب لذلك نعمل وفق هذه الرؤية و نشكل حياتنا وما يتبعها على ضوءها، و لكن قد تكون هذه الأفكار ليست إلا أخطاء تعودنا عليها عبر الزمن حتى يسيطر الركود و الجمود و التخلف علينا ، ذلك أن الاستمرار على الخطأ يؤدي إلى خلق تراكمات متتالية لمجموعات من الأخطاء المعقدة، و هذه هي إشكالية في المنهجية التي يفكر فيها الفرد او الجماعة او المجتمع أو الأمة.
فوظيفة المعرفة هي الإنتقال من المعلوم للوصول إلى المجهول عبر مجموعة من المقدمات التي يربط الفكر بينها و يستدل منها لإشباع نهمه في قطف الحقائق، لذلك عندما تتكامل هذه المقدمات يحصل على نتيجة تعطيه اليقين الذاتي.
هذا اليقين قد يكون حقيقة عندما يتطابق مع الواقع لأن المستدل أتخذ الطرق العقلية السليمة في الإستدلال و هنا يكون يقينه سليماً معترفاً به لدى العقل و عرف العقلاء. و بعبارة أخرى اليقين السليم هو اليقين الذي يكون موضوعياً لا تتحكم فيه الظروف و المصالح العوامل الذاتية أي أنه يرتكز على أدلة منطقية مقنعة لأي عقل بحد ذاته. و قد يكون يقينه و هما لا يتطابق مع الواقع لأنه استدل بمقدمات غير صحيحة أو توهم أنها صحيحة أو رغب لا شعورياً أن تكون صحيحة لذلك يصل إلى نتيجة هي يقين وهمي يتمسك به على أنه يقين مطلق.
هذا ما الذي يجعل التفكير ينقاد إلى الاستدلال العقيم او السقيم؟ هذا السؤال هو الذي يفرض علينا نفسه لمعرفة الأخطاء الفكرية التي يقع فيها الفرد عبر مراحله المختلفة.و اذا كان القدماء قد وضعوا المنطق المعروف بمنطق أرسطو فأن هذا المنطق لا يستطيع ان يستدرك هذه الأخطاء بكاملها لأنه يعتمد على آلية ميكانيكية لا تنظر إلى مختلف المراحل و الظروف الفكرية التي يمر بها الإنسان، إذ ان العقل الإنساني ليس مجرد آلة تصنع الأفكار بل انه خاضع في كثير من الاحيان الى مجموعة من الرغبات و الميول النفسية و الحوافر الاجتماعية و الدوافع الذاتية والضغوط الخارجية.
لذلك لابد من دراسة منهج التفكير الإنساني و أسلوبه من خلال الآفات التي تصب الفكر و تعطل حركته او تجعله مريضاً لا يفكر بالطريق الاستدلالية السليمة.
ان استكشاف آفات التفكير يعطينا القدرة على استدراك الأخطاء التي نقع بها، و عندما نخضع لمنطق أمكان الخطأ في أساليب التفكير و نعترف بذلك فأننا نستطيع أن نغير الكثير من أساليبنا في الحياة عبر تغيير أساليب التفكير.
ان الإنسان ليس له آلة مجبرة تنتج الأفكار المطلقة، بل هو إنسان يمتلك مجموعة من الصفات المتضادة و الرغبات النفسية المتنازعة و المشاكل الروحية المقلقة، لذلك فأن هذا الإنسان قد يكون مصنعاً لإنتاج الأخطاء، و التاريخ الإنساني شاهد على ذلك.
و على هذا فان اليقين الواقعي هو من أصعب النتائج الفكرية التي يمكن يصل اليها الإنسان.
أن الالتزام بمدرسة الحكم الظاهري في حياتنا اليومية أيضا ً يمكن أن يحل الكثير من المشاكل المعقدة التي نواجهها. فليس كل ما نعرفه و نمتلكه من معلومات هو يقين و ليس كل يقين هو أمر يطابق الواقع، فاذا فكّرنا بهذا الاسلوب فاننا يمكن أن نكتشف الكثير من الحقائق و نصحح ما هو خطأ، بل إن إستخدام النقد في أساليب الإستدلال يمكن أن يعطي إثباتا ًً إضافيا ً لقوة الشيء الذي نريد اثبات انه يقيني.
و لا داعي للخوف من الدراسة النقدية و الفكرية لبعض المفاهيم و القيم لأن العقل السليم عبر استخدامه للمنهج السليم في الاستدلال لا شك سيقترب إلى النتيجة الواقعية. نعم قد يكون هناك من يستخدم الشك كأسلوب مغالطة مريض لهدم الاراء الاخرى بدون اتخاذه للاستدلال السليم و المنهجي المنظم و ذلك لكسب الشهرة و أثارة الفتن.
و لكن النقد المنهجي الذي يستخدم الموضوعية هو تقوية لايماننا بمفاهيمنا
و عقائدنا لانها لا شك تنسجم مع استدلال العقل السليم. هو نوع الذي توجهه الرغبات لا الوقائع و هو نقيض التفكير، الواقعي الذي يبذل جهداً في معرفة الوقائع ثم يقصر نشاطه العقلي عليها. و هذا النوع من التفكير من المشكلات الاساسية التي تعرقل حيوية الأمة و تقدمها بل أنه يقودها للتراجع و التخلف، لأنه:
التفكير الارتغابي: يرسم أفكار كل فرد أو جماعة و حسب مصالحه و أهدافه و بالتالي. فأن سلوكه الاجتماعي العام سوف يتشكل حسب هذا المنطلق لذلك تتعمق الانشقاقات و اللامبالاة و عدم تحمل المسؤولية و الأنانية.
التفكير الارتغابي: يرسم للإنسان واقعاً وهمياً يحلم به فيجعله يحلق من غير أجنحة حتى أن تيقظ سقط سقوطاً مريعاً، هذه الأفكار التي توجها الرغبات النفسية تحول الفرد إلى حالم بعيد عن الوقائع يعيش في اوهام تبعده عن مسؤولياته و تبرر له عزلته و انقطاعه، فعندما لا يستطيع الإنسان أو الأمة أن يواجه أزماته ينخرط في موجات التصوف و الرومانسية التي تجعله منسلخاً عن واقعه.
التفكير الارتغابي: لانه لا يتقيد بالواقع فأنه يشوه الرؤية و يجعلنا ننظر للخارج كما نريد لا كما هو في الواقع لذلك تبقى الكثير من المشكلات على حالها.
هو سيطرة فكر او أفكار على الجو الاجتماعي بحيث يتم استلاب العقل و تحول ذلك الفكر المسيطر إلى سلطة مطلقة غير قابلة للنقد و النقاش. و آفة الفكر هنا ليس في وجود هذه السلطة بل في الاستسلام المطلق لها، و المثال على ذلك تاريخيا هو سيطرة شخصية ارسطو على وسائل المعرفة بحيث كان مصدر السلطة الفكرية و العلمية لقرون عديدة و في بعض العصور فأن الخارج على هذه السلطة كان يتهم بالارتداد. و مثال آخر على ذلك هي المعركة التي جرت في القرون الوسطى حول كروية الأرض و مركزيتها بحيث تحولت إلى محرقة لكل من ينكر هذه النظرية.
لقد أثبت التاريخ أن الكثير من الأفكار كانت خاطئة و كان يمكن تصحيحها لو كان هناك من لم يستسلم و يخضع لذلك المنطق ، و لكن الاستسلام هو أسلوب مريح في حل المشكلات و يعبر عن العجز و الافتقار إلى الروح الخلاقة.
فالإنسان بطبيعته خاصة اذا سيطر الجهل عليه يضع هالة مقدسة على كل شيء توارثته الأجيال بحيث يدل ذلك عنده على صحته و واقعيته.
أن الفكر الإنساني تكون من خلال تراكم الخبرات لذلك فان انكار القديم هو خطأ ايضاً بل لابد من الاستفادة من الخبرات الماضية و لكن ليس بمنطق الاستسلام بل بمنطق النقد و الفكر و التخطئة.
بعض الأفكار تسيطر لأنها مشهورة و منتشرة و هذا الأمر عند البعض يعتبر حقيقة و واقعا، كما يحدث ذلك للجماهير الغالبة التي تبحث عادة عن الأسهل و المريح و هي تتجمع سوياً حول الرأي الواحد بسهولة و الفرد يميل نحو الكثرة و يستظل بظلها لذلك ينجر وراء رأي الأكثرية. و هناك القليل من يمتلك الجرأة و الوعي ليواجه برأيه و فكره الرأي الذي اتخذته الفكرة الغالبة، لذلك يسيطر منطق الاستسلام في هذه الحالة على الضعفاء فكرياً و نفسياً و روحياً.
وقد كان البعض يستغل هذا الامر في تعبئة الجماهير لأغراض فئوية او انتخابية او سياسية عبر نشر أفكار معينة بشكل واسع و تضليل اعلامي كبير بحيث يسهل التحكم بهذه الجماهير و ضرب المعارضين لهم .
و منطق الاستسلام للرأي المنتشر بين الكثرة هو منشأ للكثير من مشاكلنا الحديثة و خصوصاً سيطرة الانظمة الاستبدادية والانقلابية بتهييج الرأي العام الشعبي لصالحها واحكام سلطتها عبر ذلك. لقد تحول الاستسلام، إلى عادة مترسخة في ثقافتنا و سلوكنا بحيث تعلمنا ان لا نفكر و ان لا نناقش و ان لا ننتقد بل اننا نخاف أن نفكر.
هو محاولة لاحتكار الحقيقة و الرأي و اتهام الآخرين بالخطأ دائماً اذ ان التعصب تحمس زائد للرأي الذي يعتقده الشخص و موقف معاد للرأي الآخر، فلا يكتفي المتعصب ان يحتكر الرأي لنفسه و ينطوي على ذاته و ينسب اليها كل الفضائل و القدسية بل و يهاجم الآخرين و يسلبهم الفضائل و ينكرها و تأكيد ذاته من خلال هدم آراء الآخرين.
إن أحد ملامح موت الأفراد و الأمم هو الجمود و الركود الذي يسيطر على الفكر و العقل بحيث تسيطر مظاهر الثبات على مختلف الفعاليات العقلية و هذا الأمر يرجع على عدة أسباب:
1- افتقاد الوعي اللازم لمعايشة الحياة و مواكبتها.
2- عدم تحمل المسؤولية و اللامبالاة لان التفكير و التجدد يفرضان على الإنسان مسؤوليات متعددة خصوصاً عند ما يواجه مجتمعاً سيطرت عليه الكثير من الأفكار الجامدة.
3- الخوف من الجديد و ما يأتي من تطورات، فالقديم يستأنس به الإنسان و يعرف حدوده و معانيه، أما الجديد فانه يتطلب طاقات فكرية و اجتهاد و سعي و هذه كلها أمور يتعب منها العقل الذي تعود على الرخاء و الكسل و الأفكار الجاهزة.
4- الترف الفكري و هو يحدث عندما يعجز الفرد عن حل المشكلات التي يواجهه عن طريق الفكر أو يخاف لظروف سياسية او اجتماعية او اقتصادية أن يواجهها، لذلك يلجأ إلى الترف الفكري الذي يحوي الكثير من الضبابية و الهروب من الواقع إلى عالم لا مسؤوليات فيه.
ان الجمود يصنع مجموعة مظاهر سلبية تعطل الاستدلال الفكري الحيوي و توقف العقل عن ممارسة دورهُ الطبيعي منها:
1 ـ الاهتمام بالقشور و الهوامش و ترك الاولويات فيغوص الفكر في أمور لا طائل لها، و تنحصر المناقشات في قضايا هامشية تُنسي القضايا الأساسية كالجدال البيزنطي الذي جرى بين علماء النصارى في مدينة البيزنطية حول ناسوت عيسى(ع) او لاهوته في نفس الوقت الذي كانت جيوش العثمانيين تدق حصونهم لتستولي على مدينتهم.
2 ـ التقليد الأعمى هو أحد مظاهر الجمود، و هذه الحالة تنشيء عند ما يوجب المجتمع على أفراده أتباع فكرة معينة دون نقاش أو نقد و يحرم عليه عبور الخطوط الحمراء التي وضعها فيقضي على الابداع و التطور و يطمس ملكة التفكير و الابتكار، و الأسوء من ذلك أنه يكوّن قاعدة عقائدية ضعيفة الأسس و المرتكزات تنهار بسرعة عندما تواجهها أفكار أخرى في معترك الصراع العقائدي، لذلك تموت الجماعات التي تفرض على أفرادها التقليد الأعمى بسرعة و تندثر، و بعض هذه الجماعات الهشة يحرم على أفرادها خوض مناقشات عقائدية او فكرية
3 ـ التفكير السحطي و الآني: هو أحد آفات الفكر التي تحجم الاستدلال، فالإنسان الذي يغرق في مشاكل حياته اليومية يصبح عاجزاً عن التفكير المنهجي و المنظم، و حين تسيطر عليه الجزئيات يصبح تفكيره مجرد رد فعل ي أنه يفكر كالطفل حسب الاستجابات التي تطرأ عليه خارجاً، فهو حينئذ مجبر على التفكير في قضايا جزئية معينة و يعجز عن خلق أفكار و ابداع أشياء جديدة و هذا هو الذي خلق الإنسان الآني الذي يعيش في يومه فقط و لا يفكر في الغد و المستقبل. لذلك تصدر أغلب الافعال بدون تفكير و حين نقع في الاخطاء فاننا حينئذ نحاول أن نفكر بذلك و نخلق أفكاراً لتبرير سلوكنا و الدفاع عن اخطائنا و هذا هو منطق التفكير العاطفي وهو عكس التفكير المنطقي لانه يستهدف الدفاع لا البرهان، فالذين يفكرون قبل ان يعملوا هم قليلون والذين يعملون دون ان يفكروا هو ولاشك كثيرون في مجتمع تعلم وتربى على ان يكون محدودا لايفكر.
و عندما يحاول ان يبرر الإنسان سلوكه الخاطئ و يعمل دون تفكير منهجي منظم مسبق يستمر في الوقوع في الاخطاء حتى يتأقلم معها و تصبح من الملفات المؤجلة و العادات المتجذرة، فتصبح تدريجياً حالة طبيعية متأصلة في سلوكنا بدون ان نشعر بذلك.
ان التفكير السطحي السريع ينعكس فقط في فهم الظواهر فهماً شكلياً متعجلاً معتمداً على الخبرة الشخصية الذاتية المحملة بانطباعات و تصورات ذاتية مغرورة دون أن يخترق الاعماق ليفهم الواقع فهماً تحليلياً للوصول إلى الاسباب و العلل. و التحليل الفكري العميق يعطي الكثير من النتائج المذهلة للفكر الإنساني حيث يخلق مجموعات متوالية من الولادات الفكرية المبدعة و المفيدة.
ان اللغة هي سبب كبير في تطور الفكر و تشجع الإنسان على التفكير و الابداع لانها تخلق الكثير من المعاني التي تعبر بمفردات جميلة عن خواطر الإنسان و أفكاره. و لكن في بعض الأحيان تتحول اللغة إلى عائق كبير في تطور الفكر و العلم عندما يحبس أرباب العلم علومهم باصطلاحات و رموز تجعل من الالفاظ الغازاً يصعب فهمها عــلى من يقـــرأها، فبدل من أن يحاول القارئ استيعاب الفكرة يستغرق وقته في حل رموز الالفاظ و الضمائر و ما تدل عليه من معاني. و اذا طالعت بعض الكتب العلمية من الطب او علم النفس او الاصول و الفلسفة فأن محتواها من المصطلحات اكبر من المعاني التي بها، فالمؤلف يحاول أن يرفع من شأن كتابه عبر تقزيم الأفكار لصالح تعظيم المصطلحات.
ان التفكير الاستدلالي يصبح غير مفيد عندما يقع في مجادلات لفظية عقيمة تهدف إلى مجرد الجدال لأثبات الذات و ليس للوصول إلى الفكرة السليمة، و اذا تعود الفكر على المغالطة الجدلية متجاوزاً الأذعان للحقيقة عندما يصل اليها، فانه يكون حينئذ من السهل خلط الحقائق و تذويبها في متاهة المغالطات و المجادلات، و عندها يتحول الجدل و المغالطة إلى حالة منهجية مسيطرة على التفكير و تعوقه عن الاستدلال السليم.
فاذا اردنا ان ننتشل الامة من الواقع المأساوي الذي تعيش فيه لابد من تغيير انفسنا، وتغيير النفس لايتم الا عندما نغير من اسلوب تفكيرنا واستدلالنا لان الفكر هو الذي يصنع سلوك الانسان ويشكل ثقافته. وما كانت عظمة الانيباء والمصلحين الا لعظمة افكارهم التي انارت للانسانية سبل الهداية والحضارة.
بشير أسعد