د. عدنان بن عبد الله الشيحة
تقول القاعدة الشرعية ''الحكم على الشيء فرع من تصوره''، فكيفما نرى الأشياء نفسرها ونتخذ أحكاماً وقرارات مهمة بشأنها تصل أهميتها إلى تحديد مسارنا في الحياة ومصائر الآخرين، وربما بلغت حد تهديد حياتنا وغيرنا اقتصادياً واجتماعياً، وفي حالات أمنياً. لكن كيف نرى الأشياء وبالتالي نحكم عليها ونتصرف تبعاً لها؟ نراها من خلال تصوراتنا العقلية التي هي نتاج خبراتنا التراكمية وتجاربنا وأفكارنا وقيمنا ومواقعنا الاجتماعية وأسلوب تربيتنا ومستوى تعليمنا والمحيط الذي نعيش فيه ونوعية الزملاء والأصدقاء والقائمة تطول. هذه العوامل تؤثر في تصوراتنا وتتخلق من خلالها افتراضاتنا حول الحياة وتحدد تصرفاتنا. إلا إن ما علينا إدراكه - وهو أمر في غاية الخطورة - خاصة ممن يتقلدون مناصب عامة ويتخذون قرارات مؤثرة في حياة شريحة كبيرة من الناس ولفترة طويلة من الزمن، إن الواقع شيء وما نعتقده أو نتصوره شيء آخر، وكلما كبرت الفجوة بين الواقع والنظرية (الافتراضات التي نحملها في عقولنا عن الواقع)، كان ذلك أدعى إلى الوقوع في الخطأ واتخاذ قرارات وتصرفات تخالف الواقع ولا تستجيب له. وتتسع الشقة بين التوقعات والواقع في الظروف غير الاعتيادية التي تخرج عن النمط المعتاد لتكون مفاجأة ولا يتم استيعابها استيعاباً كاملاً فتشكل عامل ضغط تجنح بنا نحو عدم الاعتراف بالواقع فنلجأ إلى تأطيره وتشكيله حسبما يتفق مع تصوراتنا وافتراضاتنا التي اعتدناها. هذه الحالة من رفض الواقع وعدم الاعتراف به هي في حقيقة الأمر هروب من مواجهة التحديات وعدم التفكير في اغتنام الفرص لأنه يخرجنا من المعتاد وما ألفناه ونأنس به ونجيده، وهي منطقة الراحة الخالية من التقلبات والمفاجآت والضغوط، فتتصف بالنمطية والرتابة تكون فيها التوقعات واضحة وكل شيء يعمل لمصلحتنا. وما يعزز الرغبة في الاستمرار على النهج المعتاد ذاته هو الاعتقاد أو الرغبة في الاعتقاد أنه نهج سليم لا يستوجب التغيير اعتمادا على التجارب الماضية وليس استشرافا للمستقبل وما يكتنفه من فرص وتحديات. والنفس البشرية بطبيعتها تركن للمألوف وتقاوم التغيير في معظم الأحيان خاصة عندما نعتقد خطأ أنها تهدد مصالحنا وكينونتنا. لكن إغفال التغيرات وعدم الالتفات إليها لا يعني أنها تزول وتختفي. من اللازم الاعتراف بها وأخذها على محمل الجد واتخاذ قرارات شجاعة وجسورة وحلول إبداعية وخلق أوضاع جديدة تستوعبها. وإذا كانت المشكلة تتمثل في الفجوة بين الوضع الراهن وما ينبغي أن نكون عليه في المستقبل، فإن فهم الواقع فهما صحيحا والتطلع للأفضل أو على أقل تقدير ضمان استمرارية ذات المستوى من الأداء يحددان مقدار الفجوة، لذا تتطلب معالجة المشكلة العزيمة والرغبة الأكيدة في الخروج من المعتاد المريح والتحول لأوضاع جديدة.
إن فهم الواقع فهما صحيحا والتكيف مع المتغيرات أمر ضروري في البقاء والاستمرارية لأي نظام حيوي واجتماعي يفوق أهمية القوة والإمكانات. فهذه الديناصورات الضخمة القوية انقرضت لأنها لم تمتلك القدرة على التكيف مع المتغيرات البيئية، بينما الباعوضة الحشرة الصغيرة الضعيفة ما زالت باقية ليومنا هذا. والتكيف مع المستجدات يقتضي رؤية الأشياء على حقيقتها ومن ثم استيعابها والعمل على احتوائها. لكن بعض الأمور لا تبدو على حقيقتها فتعطي تصورا خاطئا. فالمشكلات والتحديات كما السفينة تُرى في الأفق البعيد صغيرة أقل من حجمها الحقيقي بكثير وبالتالي ربما لم نلق لها بالاً ولم نهتم بالإعداد لها وحينما تقترب منا مع مرور الزمن تفاجئنا ولا نستطيع حينها احتواءها، وقد تكون مدمرة فتقع الفأس في الرأس وحينها لا نملك الاختيار فيما يجب عمله وتتحكم بنا الأحداث وهذا أسوأ ما يحدث للفرد، الجماعة، المؤسسة أو المجتمع. وما يزيد الطين بلة عندما نكون محاطين بأناس نفعيين لا يجرؤون على قول الحقيقة أو ينافقون من هو في موقع السلطة وصانع القرار فيعززون لديه المفهوم الخاطئ ويسمعونه ما يرغب سماعه وينتقون الإيجابيات ويضخمونها ويقللون من السلبيات أو يخفونها ليزيفوا الواقع حتى يتوافق مع ما يحمله في ذهنه من تصورات ويؤمن به من توقعات فيتلبسه شعور خادع بأن الأمور على أتمها وأن كل شيء على ما يرام. الأمر الأخطر عندما يتكون تفكير جماعي يسيطر على مجموعة القرار ويتحمسون له عاطفيا، وبالتالي لا يجرؤ أحد على الخروج عن الإجماع الحماسي وإلا اعتبر صوتا نشازا. التلاعب بالمعلومات والتفكير الجماعي العاطفي يقود نحو صناعة قرارات خاطئة وخطيرة ربما أدت إلى تهديد المصالح المستقبلية.
المطلوب في هذا التوقيت الحرج والتحديات تحيط بنا من كل حدب وصوب والمنطقة تمر بمخاض عسر هو رؤية الأشياء على حقيقتها ووضع تصورات حقيقية للواقع ومن ثم الانطلاق نحو إحداث التغيرات المطلوبة حتى إن كانت تخرجنا من دائرة المعتاد ومنطقة الراحة. وهذا لا يتأتى إلا من خلال دراسات وتقارير حيادية مهنية تقدم مقترحات جريئة تضمن استباق الأحداث وتفوق توقعات العموم لنكون كمجتمع وكدولة في موقع التحكم في الأحداث وليس العكس، فأفضل طريقة لإدارة التغيرات والتحكم بها هو المبادرة في إحداث التغيير. وهذا يستدعي إنشاء هيئة مستقلة ذات حصانة كاملة ترصد توجهات الرأي العام والتغيرات الداخلية والخارجية وتقدم دراسات وتقارير ميدانية. لكن يبقى الحديث والتنظير في هذا الموضوع أسهل من التطبيق واتخاذ إجراءات عملية تنفيذية، فتحويل الأفكار والمقترحات إلى أرض الواقع أمر في غاية الصعوبة يعوقه التمسك بالأوضاع الراهنة والتصور الخادع للواقع وعدم الاعتراف بوجود مشكلة. السكوت عن المشكلة وتجاهلها لا يعني عدم وجودها أو يجعلها تتلاشى، بل هي تتراكم وتكبر حتى تصبح كالطود العظيم وعندها يكون من الصعب التعامل معها. القرار المناسب في التوقيت المناسب السبيل إلى النجاح في خلق وضع صحيح ومطلوب. لكن هل نملك التصور الصحيح عن الحاضر والمستقبل والجرأة في اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة؟ قد يكون من الصعب فعل ذلك.. عندما لا تبدو الأشياء على حقيقتها.
تقول القاعدة الشرعية ''الحكم على الشيء فرع من تصوره''، فكيفما نرى الأشياء نفسرها ونتخذ أحكاماً وقرارات مهمة بشأنها تصل أهميتها إلى تحديد مسارنا في الحياة ومصائر الآخرين، وربما بلغت حد تهديد حياتنا وغيرنا اقتصادياً واجتماعياً، وفي حالات أمنياً. لكن كيف نرى الأشياء وبالتالي نحكم عليها ونتصرف تبعاً لها؟ نراها من خلال تصوراتنا العقلية التي هي نتاج خبراتنا التراكمية وتجاربنا وأفكارنا وقيمنا ومواقعنا الاجتماعية وأسلوب تربيتنا ومستوى تعليمنا والمحيط الذي نعيش فيه ونوعية الزملاء والأصدقاء والقائمة تطول. هذه العوامل تؤثر في تصوراتنا وتتخلق من خلالها افتراضاتنا حول الحياة وتحدد تصرفاتنا. إلا إن ما علينا إدراكه - وهو أمر في غاية الخطورة - خاصة ممن يتقلدون مناصب عامة ويتخذون قرارات مؤثرة في حياة شريحة كبيرة من الناس ولفترة طويلة من الزمن، إن الواقع شيء وما نعتقده أو نتصوره شيء آخر، وكلما كبرت الفجوة بين الواقع والنظرية (الافتراضات التي نحملها في عقولنا عن الواقع)، كان ذلك أدعى إلى الوقوع في الخطأ واتخاذ قرارات وتصرفات تخالف الواقع ولا تستجيب له. وتتسع الشقة بين التوقعات والواقع في الظروف غير الاعتيادية التي تخرج عن النمط المعتاد لتكون مفاجأة ولا يتم استيعابها استيعاباً كاملاً فتشكل عامل ضغط تجنح بنا نحو عدم الاعتراف بالواقع فنلجأ إلى تأطيره وتشكيله حسبما يتفق مع تصوراتنا وافتراضاتنا التي اعتدناها. هذه الحالة من رفض الواقع وعدم الاعتراف به هي في حقيقة الأمر هروب من مواجهة التحديات وعدم التفكير في اغتنام الفرص لأنه يخرجنا من المعتاد وما ألفناه ونأنس به ونجيده، وهي منطقة الراحة الخالية من التقلبات والمفاجآت والضغوط، فتتصف بالنمطية والرتابة تكون فيها التوقعات واضحة وكل شيء يعمل لمصلحتنا. وما يعزز الرغبة في الاستمرار على النهج المعتاد ذاته هو الاعتقاد أو الرغبة في الاعتقاد أنه نهج سليم لا يستوجب التغيير اعتمادا على التجارب الماضية وليس استشرافا للمستقبل وما يكتنفه من فرص وتحديات. والنفس البشرية بطبيعتها تركن للمألوف وتقاوم التغيير في معظم الأحيان خاصة عندما نعتقد خطأ أنها تهدد مصالحنا وكينونتنا. لكن إغفال التغيرات وعدم الالتفات إليها لا يعني أنها تزول وتختفي. من اللازم الاعتراف بها وأخذها على محمل الجد واتخاذ قرارات شجاعة وجسورة وحلول إبداعية وخلق أوضاع جديدة تستوعبها. وإذا كانت المشكلة تتمثل في الفجوة بين الوضع الراهن وما ينبغي أن نكون عليه في المستقبل، فإن فهم الواقع فهما صحيحا والتطلع للأفضل أو على أقل تقدير ضمان استمرارية ذات المستوى من الأداء يحددان مقدار الفجوة، لذا تتطلب معالجة المشكلة العزيمة والرغبة الأكيدة في الخروج من المعتاد المريح والتحول لأوضاع جديدة.
إن فهم الواقع فهما صحيحا والتكيف مع المتغيرات أمر ضروري في البقاء والاستمرارية لأي نظام حيوي واجتماعي يفوق أهمية القوة والإمكانات. فهذه الديناصورات الضخمة القوية انقرضت لأنها لم تمتلك القدرة على التكيف مع المتغيرات البيئية، بينما الباعوضة الحشرة الصغيرة الضعيفة ما زالت باقية ليومنا هذا. والتكيف مع المستجدات يقتضي رؤية الأشياء على حقيقتها ومن ثم استيعابها والعمل على احتوائها. لكن بعض الأمور لا تبدو على حقيقتها فتعطي تصورا خاطئا. فالمشكلات والتحديات كما السفينة تُرى في الأفق البعيد صغيرة أقل من حجمها الحقيقي بكثير وبالتالي ربما لم نلق لها بالاً ولم نهتم بالإعداد لها وحينما تقترب منا مع مرور الزمن تفاجئنا ولا نستطيع حينها احتواءها، وقد تكون مدمرة فتقع الفأس في الرأس وحينها لا نملك الاختيار فيما يجب عمله وتتحكم بنا الأحداث وهذا أسوأ ما يحدث للفرد، الجماعة، المؤسسة أو المجتمع. وما يزيد الطين بلة عندما نكون محاطين بأناس نفعيين لا يجرؤون على قول الحقيقة أو ينافقون من هو في موقع السلطة وصانع القرار فيعززون لديه المفهوم الخاطئ ويسمعونه ما يرغب سماعه وينتقون الإيجابيات ويضخمونها ويقللون من السلبيات أو يخفونها ليزيفوا الواقع حتى يتوافق مع ما يحمله في ذهنه من تصورات ويؤمن به من توقعات فيتلبسه شعور خادع بأن الأمور على أتمها وأن كل شيء على ما يرام. الأمر الأخطر عندما يتكون تفكير جماعي يسيطر على مجموعة القرار ويتحمسون له عاطفيا، وبالتالي لا يجرؤ أحد على الخروج عن الإجماع الحماسي وإلا اعتبر صوتا نشازا. التلاعب بالمعلومات والتفكير الجماعي العاطفي يقود نحو صناعة قرارات خاطئة وخطيرة ربما أدت إلى تهديد المصالح المستقبلية.
المطلوب في هذا التوقيت الحرج والتحديات تحيط بنا من كل حدب وصوب والمنطقة تمر بمخاض عسر هو رؤية الأشياء على حقيقتها ووضع تصورات حقيقية للواقع ومن ثم الانطلاق نحو إحداث التغيرات المطلوبة حتى إن كانت تخرجنا من دائرة المعتاد ومنطقة الراحة. وهذا لا يتأتى إلا من خلال دراسات وتقارير حيادية مهنية تقدم مقترحات جريئة تضمن استباق الأحداث وتفوق توقعات العموم لنكون كمجتمع وكدولة في موقع التحكم في الأحداث وليس العكس، فأفضل طريقة لإدارة التغيرات والتحكم بها هو المبادرة في إحداث التغيير. وهذا يستدعي إنشاء هيئة مستقلة ذات حصانة كاملة ترصد توجهات الرأي العام والتغيرات الداخلية والخارجية وتقدم دراسات وتقارير ميدانية. لكن يبقى الحديث والتنظير في هذا الموضوع أسهل من التطبيق واتخاذ إجراءات عملية تنفيذية، فتحويل الأفكار والمقترحات إلى أرض الواقع أمر في غاية الصعوبة يعوقه التمسك بالأوضاع الراهنة والتصور الخادع للواقع وعدم الاعتراف بوجود مشكلة. السكوت عن المشكلة وتجاهلها لا يعني عدم وجودها أو يجعلها تتلاشى، بل هي تتراكم وتكبر حتى تصبح كالطود العظيم وعندها يكون من الصعب التعامل معها. القرار المناسب في التوقيت المناسب السبيل إلى النجاح في خلق وضع صحيح ومطلوب. لكن هل نملك التصور الصحيح عن الحاضر والمستقبل والجرأة في اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة؟ قد يكون من الصعب فعل ذلك.. عندما لا تبدو الأشياء على حقيقتها.