اعتاد المتحدثون في موضوع الحوار أن يدخلوا إليه بالمدخل التعريفي. ويفسرون الحوار بأنه مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. ومعنى (يتحاورون) يتراجعون بالكلام. ويفرقون بين الحوار والجدل، في أن الجدل يستلزم دائماً معنى الصخب بالباطل والمماراة، كما وردت الكلمة غالباً في القرآن الكريم ، ويكفي أن آية سورة البقرة جعلت الجدال في منزلة واحدة مع الرفث والفسوق. والحوار منشط إنساني ضروري ، لا تستقر الحياة على أسس سليمة بدونه، فهو بمثابة عملية التنفس للكائن الحي. ولا يماري عاقل في أهمية الحوار وفي تعاظم الإحساس بجدواه في عالم يواجه مشكلات وأزمات لا حد لها؛ مشكلات ترجع في جوهرها إلى وجود فجوة كبيرة بين ما حققه الإنسان المعاصر من رقي مادي وبين تخلفه في النواحي الروحية والأخلاقية، مع ازدياد قدرته على التسلط والظلم. * شأن العقلاء في هذا العالم المضطرب أن يقترب بعضهم من بعض على أساس التعاون. لا نتفاءل بأكثر من اللازم فنقول بإمكانية أن يفهم الطرفان المتحاوران بعضهما بعضاً فهماً كاملاً ، بل ليس من المجدي أن ننتظر ذلك الفهم الكامل ، يكفي التفاهم الذي يفضي إلى التعايش السلمي . ولعلها مفارقة جديرة بالنظر أن الإنسان المعاصر كلما ازداد تطوره في وسائل الاتصال بفعل التقدم التقني، ازدادت لديه دواعي الشحناء والبغضاء، لأن التطور لا يوجه إلى الحوار والتفاهم والتعاون ، بل إلى الإغراق الإعلامي وتحويل ملايين البشر إلى مجرد متلقين ومستهلكين للإعلام، ناهيك عن توجيهه إلى إشاعة البغضاء وتأجيج الصراع. كلما أنبت الزمان قناة ******ركب المرء في القناة سنانا أهمية الحوار أقر نداء مكة المكرمة بأن الحوار ضروري بين بني البشر لأنهم مختلفون في أفكارهم ومتنوعون في أعراقهم وثقافاتهم، كما أقر بأن الاختلاف واقع مؤكد وحقيقة لازمة ، يقول الله تعالى : (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) هود ، 118، 119. ودعا نداء مكة المكرمة إلى المشترك الإنساني وألا يتحول الاختلاف بين البشر إلى سبب عدواني بين الفرقاء . لقد أنتج المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار نتائج تميزت بالأصالة، فيما يتعلق بأهداف الحوار مع أتباع الأديان الأخرى ومنطلقات الحوار في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنهاج الحوار وضوابطه وتحديد آلياته، وكذلك المستهدفين بالحوار في الطرف الآخر من أتباع الرسالات الإلهية وأتباع الفلسفات الوضعية. كانت بداية مبادرات الحوار الديني من الكنائس الغربية في الخمسينيات والستينيات ، وكان المسلمون متشككين في دوافعها ومنطلقاتها ، سيما أن العالم الإسلامي كان يعاني في ذلك الوقت آثار الاستعمار الغربي. وما تزال هنالك أسباب للتشكك في نيات الآخرين، خاصة من يحتلون أراضٍ مسلمة. ويزداد التشكك في الحوارات السياسية المرتبطة بالنزاعات التي تنجم عنها اتفاقيات حوارية بقسمة غير عادلة. وصف أحد المعلقين اتفاقية كامب بأنها (قصة حوار الثعلب مع الذئب)! إن العلاقة التي تقوم على أساس الحوار والتعايش هي علاقة صعبة ومعقدة، على عكس العلاقة التي تنبني على التسلط أو الخضوع. وفي حالات الصراع بالعنف، توجد صعوبة كبيرة في الانتقال من مرحلة الاقتتال إلى مرحلة الحوار. بل إن إقناع الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات تعد من أصعب المراحل. ويرى البعض أن مواجهة الخصم في الحوار والتفاوض أشد صعوبة من مواجهته في ميدان القتال. يقول الرئيس البوسني الأسبق علي عزت بيجوفيتش في ذلك إنه مارس كثيرًا من الأعمال في حياته، اشتغل حطابًا وحمل الطوب والحديد واشتغل في المحاكم، ولكنه وجد العمل التفاوضي أصعب الأعمال على الإطلاق. نداء مكة وإعلان مدريد نموذجان عمليان لتسديد نهج الحوار مؤتمرات الحوار نموذج عملي لتسديد نهج الحوار ولتثبيت علاقة التعايش والتفاهم. ونتناول بالتركيز المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار لأنه اختص بالتأصيل للحوار مع الآخرين ، وهناك ثلاثة انجازات مهمة لهذا المؤتمر هي: - توحيد الرؤى حول نهج الحوار وأهدافه ومنطلقاته، مع تحديد مفهوم واضح للحوار مع الآخرين. - جعل قرار العلاقة مع الآخرين قراراً مؤسسياً يخرج من عمل جماعي وليس من منطلقات فردية. - تكوين رأي عام يرصد ويراقب هذا الحوار ويحكم عليه. إن كثيراً من الأسئلة وجدت إجابات حاسمة وناضجة، وهذه بعض المبادئ والأسس التي تضمنها نداء مكة المكرمة: الإقرار بالآخرين سمة العلاقة بين الأقوياء والضعفاء مما يشجع على حوار المسلمين مع أتباع الرسالات الإلهية السابقة أن الإسلام يعترف بها، وأن المسلمين يؤمنون بأن أساس الرسالات الإلهية التي أنزلها الله على أنبيائه واحد، وهو الدعوة إلى عبادته وحده، وأن المسلمين لا يفرقون بين أحد من رسله. إن احترام كرامة الإنسان مبدأ أصيل بين المسلمين، فالتكريم ليس خاصاً بإنسان، إنما الجميع سواسية في حق التكريم. وينفي هذا المبدأ داء الاستعلاء الذي هو سمة العلاقة بين الأقوياء والضعفاء في عالم اليوم، عندما يطالب أناس بأن يكون نصيبهم من الاعتراف أعظم من الآخرين. ومع أن الحوار يسوي بين الأطراف المتحاورة ، فإن البعض يقدم إلى الحوار بمبدأ الاستعلاء. نتأمل في القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام مع فرعون، ونقف على الفرق بين إرادة الفهم وإرادة الاستعلاء : (فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى). كانت تعليمات فرعون للسحرة : (فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى). ولذلك لما انتهى الحوار بأن آمن السحرة وانضموا إلى الحق ، لجأ فرعون إلى العنف ، بتقطيع الأيدي والأرجل، والصلب في جذوع النخل. التعاون قوام المجتمع الإنساني وجاء في نداء مكة المكرمة أن الحوار المعمق لاستثمار المشتركات الإنسانية ضروري للتعاون في برامج عمل مشتركة تطوق المشكلات المعاصرة، وتحمي البشرية من أضرارها. ولا شك أن التعاون هو قوام الجماعات البشرية ابتداءً من الأسرة إلى المجتمع الإنساني. لاحظ المتخصصون في العلاقات الأسرية أن انتشار العنف الأسري ، إنما مردّه إلى ضعف التواصل والحوار بين أفراد الأسرة ، وتخلي الأسرة عن وظيفتها في التكافل والتعاون. شأن العقلاء في هذا العالم المضطرب أن يقترب بعضهم من بعض على أساس التعاون. لا نتفاءل بأكثر من اللازم فنقول بإمكانية أن يفهم الطرفان المتحاوران بعضهما بعضاً فهماً كاملاً ، بل ليس من المجدي أن ننتظر ذلك الفهم الكامل ، يكفي التفاهم الذي يفضي إلى التعايش السلمي. من دروس السيرة أن نبينا صلى الله عليه وسلم تحاور مع نصارى نجران، ولما لم يصل معهم إلى نهاية حاسمة، اقترح العيش معهم في سلام. إن من أكبر عوائق الحوار السياسي أن يوجد متعصبون لا يتنازلون عن أطماعهم، ويحبون أن يجعلوا من الحوار امتداداً لأطماع السياسة . ربما لهذه الآراء المسمومة والمواقف الرعناء ، يتوجس الكثير من الناس في العالم الإسلامي من أي مسعى للحوار مع الآخرين ، معتبرين أي دعوة للحوار مجرد ذريعة لكسب الوقت، وحسبهم ما يرون في فلسطين. السماحة واليسر ممارسة نبوية وجاء في نداء مكة أيضاً أن الحوار منهج قرآني أصيل وممارسة نبوية، وثقافة راسخة في ذاكرة الأمة اصطبغت بها العلاقة بين المسلمين وغيرهم ، منذ فجر الإسلام وعبر تاريخه الحضاري الطويل ، انطلاقاً من سماحة الإسلام وجوهر الشريعة الإسلامية التي يستمد منها المسلمون نهجهم . والسماحة سهولة في المعاملة وسطاً بين التضييق والتساهل ، ونحن أحوج ما نكون إليها في حوارنا مع الآخرين. وهناك مبادئ وأسس أخرى دعا إليها نداء مكة للحوار الناجح، وهي : 1- الاختلاف بين الأمم والشعوب وتمايزهم في معتقداتهم وثقافاتهم واقع بإرادة الله ووفق حكمته البالغة، مما يقتضي تعارفهم وتعاونهم على ما يحقق مصالحهم، ويحل مشاكلهم في ضوء القيم المشتركة، ويؤدي إلى تعايشهم بالحسنى وتنافسهم في عمارة الأرض وعمل الخيرات. 2- التفهم بأن الرسالات الإلهية والفلسفات الوضعية المعتبرة تمتلك من المشترك الإنساني، ما يدعو إلى الالتزام بفضائل الأخلاق، ويرفض مظاهر الظلم والعدوان والانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري والإضرار البالغ بالبيئة البشرية والإخلال بالتوازن المناخي. 3- التعرف على غير المسلمين وثقافاتهم، وإرساء المبادئ المشتركة معهم، مما يحقق التعايش السلمي والأمن الاجتماعي للمجتمع الإنساني، والتعاون في بث القيم الأخلاقية الفاضلة، ومناصرة الحق والخير والسلام، ومكافحة الهيمنة، والاستغلال، والظلم، والفساد الخلقي، والتحلل الأسري، وغيرها من الشرور التي تهدد المجتمعات. 4- التأكيد على سلامـة الفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها، فالله تبارك وتعالى خلق خلْقه محباً للخير مبغضاً للشر، يركن إلى العدل، وينفر من الظلم , وأن بُعد البشـرية وإعراضها عن هدي الله عز وجل، وهدي رسله صلوات الله وسلامه عليهم، هو السبب لما يرزح الجنس البشري تحته من الشقاء الذي يهدد مستقبله. الآخرون وكيف نتعاون معهم؟ تضمن نداء مكة المكرمة دلالات ومعانٍ، تفتح آفاق الحوار وتعزز التفاهم. بعض هذه الدلالات والمعاني خاصة بالمسلمين لتوحيد موقفهم من الحوار ودعم التواصل والاتفاق بينهم، وبعضها الآخر موجه إلى غير المسلمين، ومنها: 1- التزام حسن الخطاب ، ومراعاة الأدب الإسلامي في الإشارة إلى المسالمين من غير المسلمين بأسماء محببة إليهم. وهذا نهج القرآن الكريم (يا بني إسرائيل، ويا أهل الكتاب)، فكانت الإشارة إليهم في نداء مكة بـ “أتباع الرسالات الإلهية” و“الفلسفات الوضعية المعتبرة”. 2- التركيز على مفهوم شامل للحوار يسع معنى العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان والحضارات، والتعبير عن التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب في مقابل الصراع أو العزلة والانغلاق. 3- وتحت عنوان “مع من نتحاور؟” أشار النداء إلى شمولية الحوار تحقيقاً لعموم رسالة الإسلام : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سـبأ:28) ، ومن هنا كان الانفتاح مطلوباً على كافة الاتجاهات المؤثرة في الحياة المعاصرة، سياسية وبحثية وأكاديمية وإعلامية وغيرها، وعدم الاقتصار على القيادات الدينية. وبذلك يشمل الحوار الجهات ذات المواقف المسيئة للإسلام؛ لبيان حقائق الإسلام وتوضيح المفاهيم الخاطئة التي قد تكون سبباً في إساءتهم. 4- الارتفاع بمستوى الضمير الأخلاقي العالمي بالتأكيد على “الأخلاق الفاضلة”، وتجاوز المطالبة بصياغة حد أدنى أخلاقي، وإضافة المهددات البيئية والاجتماعية مثل صور المعاناة الإنسانية والمخدرات ومشكلات الأسرة بوصفها مهددات أخلاقية، وفي ذلك تفهم مشترك أفضل للمعايير الأخلاقية والقيم الإنسانية. 5- فهم التغيرات العميقة التي تلحق ببنية المجتمع الإنساني على أساس ابتعاد الإنسان عن الفطرة السوية التي فطره الله تعالى عليها، وفي ذلك تأكيد على الطبيعة الإنسانية المشتركة. 6- تقدير ما تزخر به الأديان السماوية والفلسفات المعتبرة من ثراء وحكمة، وذلك على أساس اعتراف الإسلام بهذه الأديان السماوية. من التوهمات المثارة أن الحوار إنما يكون مع المنصفين دون سواهم، ولكننا ـ كما اتضح من نداء مكة المكرمة ـ مأمورون بأن نحاور المنصفين وغير المنصفين، بل حوار غير المنصفين أولى إذا ما التزموا قيم الحوار وشروطه. ويستثنى بطبيعة الحال (الظالمون) فقد استثناهم القرآن الكريم : (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) العنكبوت ، آية 46. وإذا كنا مأمورين بالحوار بالحسنى مع أهل الكتاب، فإن من الناس من ينكص عن نهج الحوار كله بسبب الجهل والهوى واستسهال الطرق الأخرى في التعامل مع الآخرين مثل اللجوء إلى العنف والقتال. وقد يدفع عدم الصبر على الحوار بالحسنى إلى العدول عنه إلى سبل أخرى من الحوار بغير الحسنى مثل الإغراء والتهديد والوعيد. وهكذا فإن حوار المسلم يكون مع الآخرين جميعاً؛ أهل الكتب الأخرى ومع الكافرين والملحدين ما داموا جادين في الحوار ومخلصين في طلب الحقيقة ومنضبطين بالقواعد المعروفة في تبادل الرأي والمناقشة. هناك حوارات مجدية ونافعة، تترك نتائج باهرة، وإن لم تؤد بالمتحاورين إلى اتفاق، فقد يحصل من تفاعل الآراء استجلاء موقف غامض أو تقريب ما كان بعيداً أو الخروج بتفسير يقبله الطرفان. ويشار هنا إلى تقرير مهم يصدر كل عام ضمن أعمال منتدى دافوس عن حالة الحوار بين الغرب والإسلام ، من مجلس يضم مئة شخص يسمونه اختصاراً مجلس المئة وبالإنجليزية (100- C) نصف أعضائه من الغرب والنصف الآخر من العالم الإسلامي . يتابع مجلس المئة هذا منذ سنوات. وقد أبرز التقرير للعام 2007م أوراق عمل كتبها عدد من المهتمين، ودراسة منهجية، من إحدى المؤسسات العلمية المتخصصة بتحليل مواد إعلامية بلغت أكثر من 300 ألف مادة مكتوبة في (15) لغة، من (12) دولة غربية وما يماثلها من الدول الإسلامية. واشتغل في التحليل (43) باحثا. وفي الجزء الثالث من التقرير استطلاع للرأي حول قضايا مثل: السياسة الدولية ، والمواطنة والاندماج ، والدين والأخلاقيات ، والتعليم والتفاهم الثقافي ، والاقتصاد والتنمية. ولكن بعض المشاركين تساءلوا عن فائدة هذا الجهد ، وهل هناك من تأثير ملموس على الأرض؟ جون اسبوزيتو أحد المشاركين لخص هذا الأمر في جملتين : إننا نبذل جهداً كبيرا في الحوار والكلام ، وماذا بعد؟ إن الأفعال أعلى صوتاً من الأقوال! ولا يخفى ما للمنتدى الاقتصادي العالمي ومناقشاته من أثر ، إذ يوظف في تمهيد أرضية مشتركة للأفكار والتصورات والمعتقدات التي تحرك الأحداث في العالم، وتتأسس فيه شبكات غير رسمية من العلاقات الدائمة لتبادل المعلومات والآراء حول الاتجاهات المتجددة في عالم الأعمال والاقتصاد والسياسة والعلوم. ويكفي أن منتدى دافوس ناقش مناقشة مستفيضة النزاع العراقي في يناير 2003 أي قبل ثلاثة أشهر فقط من احتلال العراق ، وكانت اتجاهات الرأي تشير إلى أن احتلال العراق من قبل الجيش الأمريكي صار أمراً واقعاً. ونعلم أيضاً أن هذا المنتجع الشتوي (دافوس) هو الذي أذاب الجليد بين العرب وإسرائيل وتمت فيه الخطوات الأولى للتطبيع وتوفير أرضية الاتفاقيات اللاحقة. ومما أبرزه تقرير مجلس المئة في العام الماضي ذلك الاتجاه البارز بالتفاؤل لحالة الحوار وأن عام 2007م شهد نوعاً من التقدم ، فالغالبية من المستجوبين في استطلاع الرأي ذهبوا إلى أن الصراع العنيف بين الغرب والإسلام يمكن تجنبه. ومن هنا فإن حوار الصفوة من المثقفين وأتباع الأديان يمكن له أن يفتح الطريق أمام حوار السياسة . وإذا كنا نقول إنه لا تفاهم من غير فهم، فحوار الحضارات والثقافات هو الذي يشق الطريق أمام القيادات السياسية والعسكرية، وخاصة عندما يتأسس الفهم لديهم أن تحقيق المصالح لا يتأتى باستخدام القوة. إن حوار الأزمات والمصالح هو في الحقيقة مفاوضات ومساومات أشبه بالبيع والشراء، وقد يخفف منها أو يمهد لها الحوار الثقافي. ويبقى القول ـ كما ورد في أحد البيانات الختامية لحوارات رابطة العالم الإسلامي ـ إن مجرد اللقاء بين الأغيار وتبادل وجهات النظر غاية في حد ذاته، وأي اتفاق مهما كان صغيرًا، فهو طريق إلى اتفاق أكبر وإلى تفاهم أفضل. وحتى إذا افترضنا تعذر النجاح المأمول لسبب أو آخر، فإن اللقاء يزيل الكثير من التراكمات ويؤسس لعلاقات ومواقف أفضل. ويجب أن نختم بإشارة ضرورية أوردها كثير من العلماء المشاركين في مؤتمرات الحوار في رابطة العالم الإسلامي أن إتباع نهج الحوار لا يعني بحالٍ من الأحوال المجاملة والمسايرة، فالمفاصلة بين خط الإيمان والكفر موقف ثابت لا نحيد عنه. “وحينما تختلط الأوراق وتنفتح الساحة على الشعارات والأيديولوجيات فمن الجناية أن يعيش أصحاب الاستقامة حالات الضعف أو المساومة أو الصمت أو التنازل، مهما كانت المبررات تحت أي عنوان مثل القول بضرورات المرحلة أو فقه الواقع”. لا يجوز أن تنحرف أهدافنا في محاولة لمسايرة الآخر أو التحبب إليه، بالتفريط في الثوابت والقيم الأساسية، فالمجاملة إنما تكون في أسلوب الحوار وليس في مضمونه. ولا يكون الحوار حواراً ما لم يتمسك المحاور بوجوده وكينونته، من دون ذلك يفقد المحاور احترام محاوريه. فإذا كنا نريد نحن أن نفهم الآخرين على حقيقتهم، فهم كذلك يريدون أن يفهمونا على حقيقتنا. *********** المراجع: 1- انظر عثمان أبو زيد، البعد السياسي للعنف، ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر. 2- نداء مكة المكرمة الصادر عن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار. 3- انظر بحث الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عمر الماحي ، الحوار في ضوء المبادئ الأساسية للعلاقات البشرية، المحور الرابع من أبحاث المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار ، ج 1، مكة المكرمة ، 1429هـ، إصدار رابطة العالم الإسلامي. 4- أبحاث المؤتمر الإسلامي العالمي ج 1 ، مرجع سابق، بحث منهج الحوار وضوابطه، د. أحمد هليل، ص 167. * تستعين الورقة في إجابتها عن الأسئلة بما تضمنته نتائج مؤتمرات الحوار التي عقدتها رابطة العالم الإسلامي خلال العام المنصرم 1429هـ برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، وبالأخص نداء مكة المكرمة الصادر عن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار. وهاهنا إعادة قراءة لأدبيات تلك المؤتمرات والإفادة منها، مع إيراد شيء عن منشط حواري آخر ضمن منتدى دافوس السنوي بغرض المقارنة.
المصدر: حملة السكينة
المصدر: حملة السكينة