قد نعذر مالكا الإمام ، رحمه الله حين قال لمن سأله عن الاستواء: وما أراك إلا مبتدعا ، أخرجوه ! فإن التماس العذر لمثل هذا الإمام واجب ، وربما رأى منه ما يبين له أنه كان يسأل متعنتا، أو مستهزئا، لا طالب علم ، مسترشدا .
فإذا التمسنا العذر لمالك في قصة واحدة لا ندري ما كان يحيط بها ، فلا يحسن بنا أن نجعلها قاعدة نسير عليها ، ونبني فوقها تراكمات من الفرار من المبتدعة والضلال والخارجين عن الطريق ، كما نسميهم!
إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، فإذا كما نتجنب الاحتكاك بالضلال ، ونبتعد عن الفاسقين ، ولا نحاور المبتدعة والكافرين ، فإنا في الحقيقة لا ندعو إلا أنفسنا .
ألسنا دعاة لإنقاذ الناس من النار ، كما فرح الحبيب صلى الله عليه وسلم بإسلام ذلك الغلام وهو على فراش الموت ، فقال: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار . فكيف سننقذ الناس من النار ونحن لا ندعوهم ، ونحن نفر منهم ونوصي إخواننا بالفرار منهم ونحذرهم الجلوس معهم ، ونبني بيننا وبينهم سدودا فكرية واجتماعية ، تزيد الفجوة بيننا وبينهم .
قد يعتذر أناس بأن ألزم ما على المرء دينه وعقيدته ، وينبغي أن يحرص على سلامة نفسه ، وكل ذلك حسن ، متفق عليه ، ولكن يبقى السؤال أكبر من ذي قبل بارزا أمام أعيننا ، من للهالكين إذ تخلينا عنهم ؟
إن أسهل ما يمكن فعله هو رمي التبعة على غيرنا ، والاعتذار لأنفسنا المقصرة يسير غير عسير ، والأعذار كثيرة . وقد نعتذر بأبي طالب وأبي لهب وابن نوح وأبي إبراهيم ، ونعتذر بقول الله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت وهذا في واقع الأمر ليس إلا غطاء نغطي به تقصيرنا وعجزنا .
إذ لو بذلنا النصح لهم ثم لم يهتدوا لقلنا بذلك ، ولكن أين الجهد المبذول للنصح والحوار ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ألم نقرأ حوار إبراهيم مع أبيه في سورة مريم والأنعام ، ألم نقرأ دعوة نوح لابنه في آخر فرص النجاة ؟ ألم نقرأ في سيرته عليه الصلاة والسلام كيف كان تعامله ودعوته ، لا لعمه فحسب بل لكل من حوله، كيف كان يغشى نواديهم، ويأتي إليهم، ويمشي في أسواقهم ، ويحاورهم ، ويقبل دعوتهم للحوار حتى عوتب في ذلك حين أراد أن يخصص لهم يوما دون سائر الناس.
إن من صنفناه ( ليبراليا ) أو ( علمانيا ) أو ( ملحدا ) أو ( مبتدعا ) أو ( ضالا ) بحاجتنا ، نحاورهم ونمد لهم كف الفكر والعقل لنقنعهم ، ونسمع منهم ، ونزيل ما علق في أذهانهم من شبه ، ونحصنهم من الشهوات ، فإن لم يستجيبوا حينها فقط نقول ( إن عليك إلا البلاغ ) ، حينها فقط نستطيع أن نعتذر بفعل مالك ، وبأقوال السلف التي تحذر من أهل البدع والزيغ .
إن من أخطائنا أن نظن أن الدعوة الحقة هي أن نجمع حولنا المريدين في حلقة علم ، ونكتفي بهذا القدر ، ونزيد الطين بلة إذا ظننا أننا حين نلتقي بأحبابنا ، في محاضرات أو ندوات أو في خطب جمعة أنا قد أدينا ما علينا ، وليس الأمر كذلك .
فكل ما نفعله من هذه القرب إنما هو من باب التذكير والمدارسة ، وأما الدعوة فهي التي جاء النص بها ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) . فمن يعيش في تيه الظلمات ، من مرضى القلوب ، أو من أمواتها هم الذين ينبغي أن توجه إليهم دعوتنا ، وتشمر من أجلهم هممنا ، لأن مهمتنا الأصلية هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
المصدر: حملة السكينة
فإذا التمسنا العذر لمالك في قصة واحدة لا ندري ما كان يحيط بها ، فلا يحسن بنا أن نجعلها قاعدة نسير عليها ، ونبني فوقها تراكمات من الفرار من المبتدعة والضلال والخارجين عن الطريق ، كما نسميهم!
إن الله تعالى ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، فإذا كما نتجنب الاحتكاك بالضلال ، ونبتعد عن الفاسقين ، ولا نحاور المبتدعة والكافرين ، فإنا في الحقيقة لا ندعو إلا أنفسنا .
ألسنا دعاة لإنقاذ الناس من النار ، كما فرح الحبيب صلى الله عليه وسلم بإسلام ذلك الغلام وهو على فراش الموت ، فقال: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار . فكيف سننقذ الناس من النار ونحن لا ندعوهم ، ونحن نفر منهم ونوصي إخواننا بالفرار منهم ونحذرهم الجلوس معهم ، ونبني بيننا وبينهم سدودا فكرية واجتماعية ، تزيد الفجوة بيننا وبينهم .
قد يعتذر أناس بأن ألزم ما على المرء دينه وعقيدته ، وينبغي أن يحرص على سلامة نفسه ، وكل ذلك حسن ، متفق عليه ، ولكن يبقى السؤال أكبر من ذي قبل بارزا أمام أعيننا ، من للهالكين إذ تخلينا عنهم ؟
إن أسهل ما يمكن فعله هو رمي التبعة على غيرنا ، والاعتذار لأنفسنا المقصرة يسير غير عسير ، والأعذار كثيرة . وقد نعتذر بأبي طالب وأبي لهب وابن نوح وأبي إبراهيم ، ونعتذر بقول الله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت وهذا في واقع الأمر ليس إلا غطاء نغطي به تقصيرنا وعجزنا .
إذ لو بذلنا النصح لهم ثم لم يهتدوا لقلنا بذلك ، ولكن أين الجهد المبذول للنصح والحوار ، والمجادلة بالتي هي أحسن ، ألم نقرأ حوار إبراهيم مع أبيه في سورة مريم والأنعام ، ألم نقرأ دعوة نوح لابنه في آخر فرص النجاة ؟ ألم نقرأ في سيرته عليه الصلاة والسلام كيف كان تعامله ودعوته ، لا لعمه فحسب بل لكل من حوله، كيف كان يغشى نواديهم، ويأتي إليهم، ويمشي في أسواقهم ، ويحاورهم ، ويقبل دعوتهم للحوار حتى عوتب في ذلك حين أراد أن يخصص لهم يوما دون سائر الناس.
إن من صنفناه ( ليبراليا ) أو ( علمانيا ) أو ( ملحدا ) أو ( مبتدعا ) أو ( ضالا ) بحاجتنا ، نحاورهم ونمد لهم كف الفكر والعقل لنقنعهم ، ونسمع منهم ، ونزيل ما علق في أذهانهم من شبه ، ونحصنهم من الشهوات ، فإن لم يستجيبوا حينها فقط نقول ( إن عليك إلا البلاغ ) ، حينها فقط نستطيع أن نعتذر بفعل مالك ، وبأقوال السلف التي تحذر من أهل البدع والزيغ .
إن من أخطائنا أن نظن أن الدعوة الحقة هي أن نجمع حولنا المريدين في حلقة علم ، ونكتفي بهذا القدر ، ونزيد الطين بلة إذا ظننا أننا حين نلتقي بأحبابنا ، في محاضرات أو ندوات أو في خطب جمعة أنا قد أدينا ما علينا ، وليس الأمر كذلك .
فكل ما نفعله من هذه القرب إنما هو من باب التذكير والمدارسة ، وأما الدعوة فهي التي جاء النص بها ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) . فمن يعيش في تيه الظلمات ، من مرضى القلوب ، أو من أمواتها هم الذين ينبغي أن توجه إليهم دعوتنا ، وتشمر من أجلهم هممنا ، لأن مهمتنا الأصلية هي إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
المصدر: حملة السكينة